قصة المتنمر قصة جميلة

المتنمّر:

كان يرى أنَّ عيبه الوحيد هو صراحته التي كان يصفها أقرب الناس إليه بالوقاحة ، مع أنه كان يُغَلِّفها بالمزاح ، لكنه عُرِفَ تدريجياً بلقب المتنمّر.
كان لزوجته النصيب الأكبر من صراحته ، التي بدأت في أول أسبوع بعد الزواج ، عندما طبخت له الأرز وكانَ أشبه بقالب الحلوى ، فقالت له بابتسامة خجولة:
-أعتذر، مع الوقت سأتعلم الطبخ .
فردَّ بسخرية باسماً:


-إن تعلَّم حديث الولادة الكلام والمشي بعمر الشهر ستتعلمين الطبخ.
صمتت من الدهشة .
عاد موقف جديد بعد بضعة أيام ، عندما ارتدت فستانها وهمَّا بالذهاب لمنزل عائلته ، فقال لها باسماً:
-عندما ترى أمي طبقات اللحم الزائدة ، ستخاف أن تخنقيني ونحن نائمان ، ابلعي بطنك ، لئلا يعتقد أحد أنك حامل قبل زواجنا وبشهورك الأخيرة . تمالكت نفسها بشق الأنفس ، لئلا تبكي . ما إن دخلا لمنزل عائلته حتى قال : -مع أنَّ زوجتي بلعت بطنها ، لكنها تبدو بمنتصف شهور الحمل ،وأرجو ألا تفهمونا بشكل خاطئ ، فحتى لو قامت باتباع نظامٍ غذائي ، ستبدو حينها بأول شهور الحمل . ثم تعالت ضحكاته وهو يصفق بيديه ، لكنها تمنَّت بتلك اللحظة أن تنشقَّ الأرض وتبتلعها ، فدخلت إلى المطبخ ، وانهمرت دموعها بصمت ، وهي لا تعلم أنَّ أخت زوجها تراقبها .


قبل أن يدخل زوجها إلى المطبخ ، هرولت أخته نحوها وقالت :
-اتبعيني إلى غرفتي وتجَنَّبي النظر حولك .
تبِعَتْها بدهشة وتساؤل عما تريد ، وما إن دخلَت حتى قالت لها :
زوجك مشهور منذ أن أصبح مراهقاً ، بوقاحته المفرطة ، وكان ذلك بسبب تنمّر زملائه عليه في الصغر ، ومع أني وجدتُ علاجاً له بمجهدوي الشخصي وبدون تدخل طبي ، لكنه من الواضح أنه عاد كما كان بعد زواجه منكِ ، وغداً سآتي لمنزلكما بعد خروجه ، كي أعطيكِ علاجه ، وترتاحي منه وتريحينا قبل أن تتفاقم حالته من جديد ، ويصبح لنا من كلامه نصيب
….يتبع….


الجزء الثاني# المتنمر

بعد أن أعدَّت القهوة ، قالت لها :-كان أجدادنا يقولون دوماً ، داوها بالتي كانت هي الداء ، وبما أنَّ داء زوجك هو بسبب تنمر زملائه عليه ، فسوف تعالجيه بنفس الداء ، أي أن تتنمّري عليه أيضاً.قالت بصدمة :-لكني لا أستطيع ، لستُ من هذا النوع من الناس ، غير ذلك لم أعتد عليه بعد.-إذاً دعيه يتمادى ، كي يجعلكِ محطَّ سخرية وحديث أمام كل الناس .دفعتها تلك الجملة للتفكير جدّياً بكلامها والأخذ به ، وعندما عاد زوجها من العمل قالت له:-وجهُكَ هزيلٌ أصفر نحيل ، يشبه مومياء مصر .رمقها بنظرة غضب :-المرأة

المحترمة ، تقول لزوجها عند عودته من العمل ، أمدَّك الله بالصحة والعافية ، ولو كنتُ رجلاً عصبياً ، كان يجب أن أطبع أصابعي على خدِّك الآن ، لكني سأتجاهلك.جلست تبكي كطفلة ، وهو يقف كتمثال محنَّط مندهش ، ثم قال:-هل يجبُ أن آتي الآن لأُخَفِّفَ عنكِ ، وينتهي الموقف باعتذار مني ، وبالنهاية أكون أنا المخطئ ؟! قالت له بصوت يبكي :-إذاً اعتذر مني على نعتي بالحامل أمام أهلك ، بسبب وزني الزائد ، فلقد جرحت شعوري كثيراً .-كنت أمزح .-هذا ليس مزاحاً يا رجل ، إنه تنمّر .-هذه الموَّشحة سمعتها من أختي قبل الآن ، وحاولَت أن تفعلها معي لكنها لم تنجح ، فلا أحد دمه خفيف مثلي ، لكني توقَّفْتُ فترة عن

مزاحي بسبب وفاة صديقي المقرب لا أكثر.انفجرت بوجهه غاضبة :-ما علاقة هذا الكلام بذاك ، توقف عما تقوله وانتهى الأمر.-لن أتوقف ، وإن استطعتِ أن تكوني بهضامتي لا تقصري.أغلقت الموضوع معه وكأنَّ شيئاً لم يكن ، وذهبتَ إلى أخته في صباح اليوم التالي، وعندما قالت لها ما حصل ، انفجرَ*ت ضاحكة :-

زوجكِ لقد عاد كما كان بعد زواجه منكِ ، لأنَّه على يقين أنكِ لن تستطيعي الردَّ بوجهه ، ولو لا أني تنَمَّرتُ عليه أمام أهلنا وأقربائنا أكثر من مرة ، ما كان ليتوقف، وعلَّمتُهم أيضاً أن يردّوا له تنمّره بالمثل ، ولأني لن أكون معكما عندما تذهبا لمنزل عائلتكِ وأقربائكِ ، ستتعلَّمينَ مني عندما تأتيان لزيارة أهلي كل أسبوع ، انتظري بضعة أيام وستَرَيْنَ ما سأفعلهُ بزوجكِ.….يتبع

الجزء الأخير : المتنمّر:

أتى يوم زيارتهما لمنزل عائلته، فاستغلَّت أخته نهمه للطعام ، وأثناء غوصه بين أطباق الغداء قالت له بابتسامة :
-مابكَ يارجل ! ، من الواضح أنك قمت بتجويع نفسكَ يومين حتى تلتهم الطعام بتلك الطريقة .
قال بدون أن ينظر لها:
-بدل أن تقولي بالهناء والشفاء.
ردَّت ضاحكة:


-بالهناء والشفاء طبعاً ، لكن ما يدعو إلى الدهشة أنك تأكل طعاماً عن قبيلة وتزداد نحافة واصفرار ، بدل أن تتخن و تتورَّدَ وجنتاك .
-لقد شبعت.
حاول أن يفتح حواراً مع والديه بعد أن شبعا فقالت له بصوت يضحك :
-بالله عليك ، أشعر وكأنك تتكلم اللغة الهندية ، ألم تتعلم كيفية ترتيب الكلمات لتكوين جمل تناسب الموضوع الذي تتحدث به ، فمنذ طفولتك لا تكمل حواراً واحداً بدون أن تُدخِلَ إليه جملة من الشرق وجملة من الغرب .


انتفضَ من مكانه ، وطلب من زوجته الاستعداد للذهاب .
اكتفى الوالدان بأن يطلبا منه البقاء ، ولم يُعاتبا ابنتهما ، كونهما يعلمان أنَّ ما تقوم به لمصلحة أخيها ، كي لا تتفاقم تصرفاته وتكون السبب بإنهاء زواجه .
عادا إلى المنزل وكانت تعابير وجهه لا تُفَسَّر.
حضَّرَت زوجته فنجانين من القهوة ، وقالت له :
-مابكَ ؟! يبدو عليكَ الانزعاج.


فرَدَّ وهو ينظر إلى الأرض ، مُقَطَّب الجبين :
-كيفَ لا أنزعج ؟، ألم تسمعي الذي قالته أختي ؟
-سمعت طبعاً، لكنها تمزح ، وعن نفسي أضحكني كلامها .
-أيُّ مزاح هذا ؟! وقد كان كلامها في المرة الأولى كأني بخيل أنتظر اليوم الذي سآكل فيه عند أهلي ، وفي المرة الثانية أني أبله لا أعرف الكلام ، قالت كل ذلك بدون أن تراعي أنَّكِ جالسة معي ، وبكلامها ستهتّز صورتي أمامكِ ، وربما تستمرَّ بذلك عندما أصبح أباً ، فالبتالي سيتكلم معي صغاري بأسلوب سخرية .
ردَّت بابتسامة خفيفة :


-عزيزي ، أنت أخذْتَ كلامها بمنحىً آخر ، لأنه موجَّه له ، ففسّرْتَهُ بسخرية على الرغم من أنها كانت تمزح ، ومزاحها مضحك ، لكن بما أنَّ ما قالته كان يخصك ، فقد جرحَتْ به شعورك . نظر إليها بعينين حزينتين: -ألهذا الحدّ جرحتُكِ في الكلام عندما قلته أمام أهلي .
-طبعاً ، حتى عندما قلت لي أني سأتعلم الطبخ إنْ تعلَّم حديث الولادة المشي والكلام بعمر الشهر .
-أعتذر جداً ، اعتقدْتُ أنَّي خفيف الظل ، ولم أعي الأذى النفسي الذي تسبَّبْتُ لكِ به ، وأعدكِ ألا أُعيدَ طريقةَ الكلام تلك .
حلَّقت فرحاً لسماع ذلك الكلام ، وفي صباح اليوم التالي ، اتصلَتْ بأخته وتشكَّرَتها ، فقالت لها :
-على الرحب والسعة ، وأنا لن أُضايقه مرة أخرى ، لكن إن عاودَ إزعاجكِ ، سأزيد جرعة المضايقة للضعف.
انتهت