قصة بقرة اليتامى امرأة صالحة رزقت طفلين سميتهم فاطمة و حسن

امرأة صالحة رزقت طفلين سميتهم فاطمة و حسن وكانت دائما تساعد زوجها في ضيعته وتهتم بالحيواناتوفي أحد الأيام سقطت بقرتهم الصغيرة في حفرة وكسرت ساقها فجاء الرجل وقال: سأذب*حها فهي لم تعد تصلح لشيئ لكن المرأة أجابته :سأهتم بها وأعالجها

فربطت ساقها وأطعمتها وبعد مدة شفيت وأصبحت تتبع سيدتها أينما تذهب وتنظر لها بعينيها الواسعتين كأنها تشكرها على معروفها .

لكنّ المرأة تعبت كثيرا في الضيعة وكان زوجها يعول عليها في كل شيئ وفي بعض الأحيان كان يخرج ،ويتركها بمفردها لما حل الشتاء كان البرد شديدا تلك السنة

وبدأت تلك المرأة تمرض ولم تعد تأكل وبعد فترة توفيت و شعر الطفلان بالوحدة قال أبوهما في نفسه: لا بد أن اتزوج ثانية فالأطفال لا يزالون صغارا ولا أقدر أن أهتمّ بهم بمفردي

وبعد عام رزق ببنت سماها عيشة وليست عيشة حواشة الرماد وليست عيشة ابنة صياد السمك كان الطفلان يعرفان أن امرأة أبيهم لا تحبهم أما والدهما فأصبح يؤثر أختهما الصغرى ويسعى لإرضاء زوجته الجديدة.

كانا يفتقدان والدتهما بشدة هما يدركان أنها في عالم آخر لكنها تشعر بهما وتراهما في بعض الأحيان كانا يفكران أنّها سترجع وسيفتحون يوما لها الباب ويجدونها أمامهما وكلما إشتد بهما الحزن كان يذهبان ويجلسان بجانب تلك البقرة الصغيرة التي كبرت الآن

لقد كانت فردا من العائلة ولم يكن ينقصها غير النطق فقد كانت تفهم كل ما يدور حولها وحضرت آخر دقائق الأم في هذه الحياة ورأت في نظراتها الحزن العميق والأسى على فلذات أكبادها التي ستتركهم ورائها

رأت القلب الذي يأبى أن يتوقف عن الحب وفي اليوم الأخير أطلت البقرة من الشباّك وكانت المرأة تحتضر وقالت لها : سأرد جميلك لم أنس اليوم الذي أنقذتني فيه من الموت إذهبي بسلام فسأحفظ أطفالك في عيوني

لما سمعت المرأة ذلك ابتسمت وقالت: الحمد الله الذي أنقذ أطفالي من اليتم يا لها من مفاجأة فلقد تكلّمت البقرة وأراحت بالي ثم أغمضت عينيها وجادت بآخر أنفاسها لكن البقرة لا تستطيع أن تخبر أحد بالوعد الذي أعطته لسيدتها لقد كان هذا سرها

كان الصغيران يخرجان البقرة كل صباح لترافقهما إلى الضيعة فقد كانت تعرف كل الدروب والمسالك وتخاف عليهما من البرد والثلج وكانا يشعران بحنانها

فقلب الطفل دليله إلى من يحبه وهناك كانا يلعبان ويجريان وراء الفراشات ولما ينتصف النهار يخرجان إلى الغابة ويجلسان قرب عين ماء صافية وتقسم فاطمة قرصا من خبز الشعير مع لأخيها

وكانت البقرة تحفر الأرض وتستخرج الكمأ وتجمع ا لهم التوت البري فيأكلان حتى يشبعان عندئذ تتمدد البقرة وبنظرة منها يقتربان من ضرعها ويشربان ثم يضعان رأسهما على صدرها ويحسان بالدفئ

ولما يعودان إلى البيت لا يلمسان الكسكس البائت الذي تقدمه لهما في حين تأكل هي وأبوهم وابنتها عيشة أطيب الطعام وكلما جاءت المرأة لحلب البقرة وجدت ضرعها جافا و لما إشتكت إلى زوجها أجاب أنها بقرة أمهم وهذا أفضل فلا يضطر ليصرف شيئا عن طعامهم .

لكن المرأة أصبحت تحس بالحقد لمّاا رأت أن الصبيين قد كبرا بسرعة وإزداد جمالهما وأصبحت فاطمة تفتن القلوب بعينيها العسليتين وبشعرها الأسود الطويل كأنّه قطعة من الليل

في حين أن عيشة بقيت ضعيفة رغم كل ما تقدمه لها من عسل ولحم ولبن فقالت في نفسها هؤلاء الأطفال ورائهم سر ولا بد أن أعرفه

بقرة اليتامى الجزء الثاني

في أحد الأيام قالت المرأة لإبنتها: إسمعي يا عيشة أريدك أن ترافقي هذين اللعينين وتأكلين مما يأكلانه وتقلديهما فيما يفعلان ولما ترجعين قصي علي كل ما حصل واحرصي أن لا تغيب عنهم نظراتك أريد معرفة كل شيئ هل فهمت ؟ أجابت البنت : نعم يا أمي !!!

لعب الإخوة مع بعضهم في الضيعة ،كما تعوّدوا أن يفعلوا ولمّا حان وقت الغداء ذهبوا معا للعين وسط الغابة أخذت فاطمة قرص الشعير وقسمته على نصفين أما عيشة فكان معها قرص خبز وزيت وزيتون وفجل وضعت كل ذلك في حجرها

وبدأت تأكل دون أن تلتفت إلى أحد كانت تنظر للبقرة تختفي بين الأشجار وترجع بسلة صغيرة فيها كمأ وتوت برّي ولمّا مدت عيشة يدها نهرتها البقرة بشدة اتم الصبيان طعامهما وحمدا الله ثم شربا من لبنها

أمّا أختهما فأرادت أن تشرب أيضا وإقتربت من ضرع البقرة لكنها رفستها بقدميها ورمت بها في الوحل .

رجعت عيشة للدار متسخة وعينها منتفخة فصاحت زوجة الأب من فعل بك هذا ؟

أجابت البنت وهي تبكي : إنها البقرة يا أمي لقد أحضرت لهم طعاما من الغابة وأرضعتهم من لبنها ولما أردت أن آكل وأشرب معهم أشبعتني ضربا وشتما .

غضبت المرأة ولما جاء زوجها قالت له أنظر ما فعلته بقرتك بإبنتي لا أريد أن أراها هنا

أجابها لقد أوصتني بها زوجتي خيرا ثم أنها لا تقلقني فهي ترعى وحدها وتحرس الأطفال لما يذهبون للعب في الضيعة ما على عيشة إلا أن تبتعد عنها سأحظر لها غدا عنزة صغيرة لتكون صديقتها وتشرب من لبنها .

صمتت المرأة وقالت : سأذهب إلى المكان التي تجمع منه البقرة الكمأ والتوت وأعطيه لعيشة و سترضع حليب العنزة لمّا وصلت إلى ذلك المكان وجدت أشجار التوت يابسة ولا أثر لحبة كمأ واحدة

تعجبت زوجة الأب وتساءلت من أين تأتي البقة بتلك السّلة ؟ لا يوجد شيئ هنا لما رجع الصبيان في المساء ظهر الغيظ على زوجة الأب لجمال فاطمة وبياضها لكن البقرة رمقتها بسخرية فهاجت المرأة وأمسكت عصى وضربتها .

دارت لها الدابة ونطحتها في مؤخرتها فوقعت على الأرض، وامتلأ وجهها بالتّراب فضحكت منها وواصلت طريقها مرفوعة الرأس

وقفت المرأة وهي تلوّح بيدها وتتوعد :سترن ما أفعله بك أيتها اللعينة سأذبحك وأصنع أحذية لي ولإبنتي من جلدك لن تمر ليلتك بسلام إنتظرت زوجها ولما جاء وجدها معصوبة الرأس فسألها ماذا حصل ؟

أجابته : لقد نطحتني البقرة وحطمت أضلاعي عليك بالإختيار بيني وبينها إن لم تذبحها سأحمل حاجياتي وأرحل مع إبنتي عيشة

فكر الرجل وقال لها هوني عليك سأخدها غدا إلى السوق وأبيعها والآن قومي وأعدي لي العشاء وكوبا من الشاي

في الصباح صاحت المرأة هيا إنهض إنه يوم سوق لا أريد هذه البقرة أمامي هل سمعت ؟

نهض الزوج متثاقلا وقد ظهر الحزن على وجهه أما الصبيين فلما علما بما يحدث تعلقا بأبيهما وشرعا في البكاء بصوت يمزق القلوب وبكى أبوهما أيضا

لكنه قال: لا بد من بيعها فهي أصبحت حادة الطباع هذه الأيام وسأعطيكما بقرة أخرى صغيرة لا تقلقا

بلغ الرجل مدخل السوق مرر يده عليها وهو يداعبها فشعر بغتة برعدة وسمع صوتا حزينا يقول:عُد إلى بيتك فبقرة اليتامى ليس لها شارٍ !!!

سحب الرجل يده في فزع وإلتفت يمينا و شمالا لكن لم ير أحد قربه ومكث بعض الوقت لا يدري ما يفعل ثم قرر أخيرا أن يتابع طريقه وصل إلى مكان بيع الماشية،

وهناك لم ينتظر طويلا حتى أتاه شارٍ وما كاد الرجل يفتح فمه ليسأل ويفاوض عن السّعر حتى عاد الصوت يقول: ابتعدوا يا ذوي الإحسان فلا يمكن أن يكون لبقرة اليتامى شارٍ

بتعد الرجل مذهولا و هو يتعوذ وكان الأمر كذلك مع كل من إقترب من البقرة وفي كل مرة يهتف الصوت الغريب

وفي الأخير أصبحت النبرة غاضبة : وصاح الصوت: ابتعدوا أيها المحسنون فبقرة اليتامى لن يكون لها شار أبدا سمع الناس الصوت فهربوا وهم يقولون أن جنا يسكن البقرة وطلب الباعة من الرجل أن يرحل من هنا قبل أن تكسد تجارتهم بسببه

فساق بقرته ،ورجع بها إلى البيت

بينما رجع الرجل من السوق بالبقرة إلى البيت من محاولة فاشلة في بيعها حتى رات المرأة البقرة أمامها صاحت : ماذا كنت تفعل في السوق ؟

أجابها :أمر هذه البقرة عجيب كأني بها تتكلم

قالت :هل تسخر مني يا رجل ؟

ومنذ متى كانت الدواب تتكلم ؟

رد : والله إنها الحقية لّ من كان في سوق الماشية سمعها وجاء التجار وأطردوني أفكر أن أحملها للغابة وأطلقها بين الأشجار هذا هو أحسن حل ولا أرى غيره .

لم تكن المرأة مقتنعة بهذا الرأي فالأطفال يذهبون إلى هناك كلّ يوم وستعرف كيف تعثر عليهم وتواصل إطعامهم في النهاية مشكلتها ليس مع البقرة بل مع الصبيين وخصوصا فاطمة فلم تعد تطيق أن تراها قرب إبنتها عيشة

لكي لا يلاحظ أحد الفرق في الجمال بين البنتين وكان هزال إبنتها يألمها أكثر من أي شيئ آخر لهذا يجب عليها أن تتخلص من البقرة لكي لا يشبعا من الطعام وتسوء صحّتهما

ولم تكن تعرف أن ما حل بابنتها هو عقاب من الله على معاملتها القاسية لتلك الصبية اليتيمة وأخيها الصغير

في الغد ما إن خرج زوجها للضيعة حبست الأولا في غرفتهما

وأحظرت جزارا ضخما قبيح الوجه ومعه رجلان فجروا البقرة إلى فناء البيت ثم رموا حبلا في عنقها و شدوه حتى سقطت على الأرض فأوثقوا أقدامها بحبل

نظرت البقرة حولها بحزن وسقطت الدموع من عينيها فإرتعد الرجلان وابتعدا عنها لكن الجزار لم يكن يعرف الرحمة وأهوى على رقبتها بالس*كين وقبل أن تموت شاهد الجميع حمامة بيضاء تطير ولم يعرف أحد من أين خرجت ثم قطعوها ووضعوها في عربة

قالت لهم المرأة : أتركوا لي الرأس فسأطبخه وآكله وقبل أن ينصرف الجزار رمى إليها بصرة نقود ولما فتحتها خرج منها القمل والبقّ ودخل في شعرها الطويل فأخذت تصرخ وتجري في كل مكان

حتى جاءت إبنتها بمقص فقصته كله و يبق سوى الجلد وفجأةسمعت وراها صوتا يضحك فإلفتت بفزع فإذا راس البقرة ينشد : بقرة الأيتام ليس لها شار ولا بائع ولا ثمن

من أكل منها ما شبع ولا سمن لا إرتاح ولا في الليل أمن بذلك جرت عند الله السنن مهما طال الزّمن وبكت دمعا العين وثار في القلب الشجن

لكن المرأة قالت :سأقطع لسانك فأنا لا أخاف منك ما هذا إلا سحر عمله زوجي لكي أبقيك حيّة ثم أخذت سك*ينا وقطعته ورمت به وبعد ذلك فتحت الباب للصبيين

ولما شاهدا رأس البقرة شرعا في البكاء بشدة كن اللسان همس لهما: لا تبكيا فأن من يفعل خيرا في الدنيا يجازيه الله لقد كانت أمكما امرأة صالحة أحبتها الملائكة ووعدها الله برعايتكما والوعد حق

إذهبا للعين ستجدان حمامة بيضاء إنها روح أمكما

تعجبت المرأة لما شاهدت الصّبيين يجففان فجأة دموعهما ويبتسمان لبعضهما ثم أخذا كسرة شعير وخرجا جن جنونها

فقد كانت تنتظر أن يتحطّم كبريائهما و أن يذبل جمالهما لكن لم يحصل شيئ من ذلك وعليها أن تبرر ما فعلته لزوجها فلقد عصت أوامره وأبكت أطفاله في الماضي كانت تغريه بجمالها

أما الآن فصارت قبيحة المنظر، بعد ما قصّت شعرها ،وقرصها البقّ في عينها

لمّا رجع الرجل في المساء تفقّد البقرة فلم يجدها في الزريبة ولم يكن هناك أثر للأولاد أحسّ بالقلق وذهب إلى زوجته في المطبخ فوجدها تغطّي رأسها وقد إنتفخت عينها اليمنى .

لما سألها عما حدث

أجابت: البقرة ذبحتها وبعتها للجزار وبقي الرأس فطبخته لعشاءك أما الصبيين فلا أعرف أين ذهبا

أحس الرجل أنه سيسقط على الأرض من هول الخبر ثم تمالك نفسه وقال : سأبحث عن أبنائي ،ولن ترين وجهي بعد الآن

مشى الصبيان ناحية العين كما اخبرهم لسان البقرة ولما وصلا وجدا حمامة في انتظارهما وأعطتهما شعرة من البقرة وقالت لهما ازرعاها فستنبت مكانها شجيرة صغيرة

كلما جرحتم جذعها خرج منها حليب أحلى من العسل فإربطا جرة ولما تمتلأ إشربا منها وستأتيكم الطيور بالثمار من الغابة والأرانب بالفطر والكمأ أما الآن لقد إطمئن قلبي عليكما

وسأرحل وقولا لأبيكما أن لا يثق في تلك المرأة

وضعا الصبيان الشعرة في الأرض وصبا عليها الماء ثم رجعا إلى الدار وبينما هما ماشيين سمعا أباهما ينادي عليهما فذهبا إليه وعادوا جميعا إلى الدار ،ووعدهم بشراء بقرة أخرى لهما

ولما أخبر زوجته قالت: من الأفضل أن تشتري عربة ننقل عليها الخضار ونبيعها في السوق ونربح قليلا من المال فأعجبته الفكرة وذات يوم وجد قطة صغيرة بين اللأشجار جائعة فحملها للدار

وأعطاها لفاطمة وقال لها: إجعلاها رفيقتكما عوضا عن البقرة فرح الصبيان بها وصارت ترافقهما أينما يذهبان ولما رأتها المرأة سخرت منها وقالت: يا لها من قطة هزيلة قريبا تصبحون مثلها حين أحرمكم من الحليب واللحم

لكن مرت الأيام وازداد جمال الصبيين وإحمر وجههما حتى القطة سمنت وأصبح لونها براقا ولما ترمي لها زوجة الأب بقية الأكل تشمه ولا تلمس منه شيئا فإحتارت

وتساءلت كيف يفعلون ليضلون في صحة جيدة وكيف سمنت قطتهم الهزيلة طبعا لا يمكن أن تكون البقرة فقد طبخها الناس وعظامها أكلتها الكلاب لا بد أن أعرف السر

طلبت من عيشة أن تراقبهم لكنها غضبت وقالت أمي إنهم إخوتي وأنا أحبهم ومن يسيء إليهم سيعاقبهم الله

سألتها أمها من قال لك ذلك أيتها اللعينة ؟

أجابتها : رأس البقرة لقد همس لي إن أحببت إخوتك فستكبرين مثلهم

فقالت المرأة : من هذه البقرة لم أسلم منها حتى وهي ميتة غدا سأذهب بنفسي وأعرف سرهم

في الصباح تسللت ورائهم حتى رأت الشجرة والطيور والأرانب وهي تحمل لهم الطعام إنتظرت حتى إنصرفوا وأشعلت النار في تلك الشجرة امسكت عود قلبت به أعشاش العصافير ونبشت جحور الأرانب

وقالت سنرى الآن من سيطعمكم ثم رجعت للدار كأن شيئا لم يكن وغدا أعطت حسن غربالا وقالت له إملئه لي بالماء وفاطمة صوفا مبقعا بالقطران وطلبت منها غسله في الواد وقالت: الويل لكما إن لم تنفذا ما طلبته منكما

ثم جاءت المرأة زوجها وأعلمته أن هذا البيت لم يعد مناسبا لنا فقد كبرت البنات ويجب أن تكون لهن حجراتهن ولا أريد أن تكون الزريبة بجانبي فرائحتها تؤذيني

وأخذت تلح عليه

فقال لها : حسنا احزمي أمتعتك وسنرحل إلى دار جديدة وأخبري الأطفال أن يستعدوا لما سارروا في الطريق بأثقالهم سألها أين حسن وفاطمة ؟

أجابته لقد وضعتهما في عدلين على جانبي الحمار وغطيتهما أما الطفلين فأمضيا كل الصّباح قرب الواد يحاولان دون جدوى تنفيذ طلبات زوجة أبيهم ولما ذهبا للعين داخل الغابة ،

وجدا الشجرة محروقة والأعشاش مقلوبة وما فيها من بيض قد تهشم ولم تأت لا الطيور ولا الأرانب فجمعا بعض الثمار وشيئا من الفطر لكن فاطمة قالت : لا أزال أحس بالجوع

فلماذا لا تأتي أمنا الحمامة لتعلمنا بما علينا فعله ؟يتتبع

بقرة اليتامى الجزء الثالث

بقيا حائرين حتى أظلمت الدنيا ولما رجعا إلى البيت لم يجدا أحدا فلقد رحلوا وتركوهما وحيدين

شعر الصبيان بالخوف وبدئا يبكيان لكن جاءت القطة والتصقت بهما فأحسا بالدفئ والإطمئنان فناما حتى الصباح

في الصباح ذهبا الصبيان إلى العين وأكلا من الثمار والفطر قال حسن : هذا لن يكفينا وسأصنع فخا لصيد الحجل ولما أتمه وضع تحته حفنة حبوب وجدها في الدار ثم ذهب للعب مع أخته ولمّا رجع وجد حجلة عالقة في الشبكة

ولما هم بذبحها أشفق عليها وتركها تطير

وقالت فاطمة احسنت فعلا فالطيور أصدقائنا

نظرت إليهما الحجلة وهزت رأسها كأنّها تطلب منهما أن يتبعانها

طارت وجريا ورائها حتى قادتهما إلى تلة في وسطها غار صغير ووقفت على الباب

قال حسن : هيا نصعد، ونرى ماذا يوجد هناك لما وصلا أشعلا عودا ودخلا وإذ بهما يشاهدان عشا كبيرا للنحل يقطر عسلا

ففرحت فاطمة وغرفت بيدها من العسل وأكلت ثم قالت لأخيها :تعال وكل معي فلم أر في حياتي أطيب مذاقا منه أحسّ الصبيان بالشبع وقال حسن: أرأيت يا فاطمة لأننا أسدينا معروفا لذلك الطائر رزقنا الله من خيره فالحمد لله على كل شيئ.

ثم ذهبا إلى الدار ووجدا جرتين ملأ أحدهما بالعسل والأخرى بالفطر والتوت البري وحملا بعض الملابس التي تركتها امرأة أبيهما وغطاء من الصوف وبقيا في المغارة مدة من الزمن

وكانت البنت تستحم في العين وتمشط شعرها وتجعله ظفيره طويلة وزاد جمالها وأحبتها الفراشات والطيور وأصبحت تجيئ وتمرح حولها أما حسن فصار فتى قويا يصيد الوعول البرية وتخاف منه الضباع والثعالب

أحد الأيام كانت فاطمة تجلس على باب المغارة تتشمس وإذا بها تسمع صوت كلاب وصيادين ورأت فارسا يطارد وعلا لكنه أفلت منه فنزل عن فرسه ليستريح

ولما رفع نظره للتلة رأى الفتاة وقد تدلت ظفيره شعرها الذهبي فانبهر من حسنها وقال لها: أنا الأمير سيف الدين ابن سلطان هذه البلاد وأنت ما اسمك ؟

أجابته: وما يعنيك من أمري؟

قال الأمير : ألا تعطينني ماء لأشرب ؟

أجابته: ليس لي أكل ولا شراب هيا انصرف ولا تزعج راحتي!

قال الأمير : يا لك من بنت عنيدة ولما رجع إلى القصر لم يقدر على النوم فلم يغادر وجه فاطمة خياله

وفي الصباح أرسل في طلب عجوزة السّتوت وقال لها :لقد قابلت فتاة جميلة عل تلة وسط الغابة ورغم حبي لها فإنها لم تهتم بوجودي

ضحكت العجوز وقالت سأجعلها تأتي إلى هنا رغما عن أنفها

في الغد أخذت عنزة وطبقا من الفخار وذهبت إلى التلة وأشعلت الحطب ووضعت فوقه الطبق مقلوبا

وبدأت تعد أقراص العجين كانت فاطمة تنظر إليها من الغار وتتعجب لصنيعها ثم وطرحت العجوز العنزة أرضا و أمسكت دلوا وبدأت تحلبها من قرنيها

قالت فاطمة: يا خالة طبقك مقلوب والعنزة تحلب من ضرعها وليس من قرنيها

ردت العجوز: يا إبنتي إنى ضريرة هل بإمكانك مساعتتي في إنضاج خبزي وحلب عنزتي وبإمكانك أن تأكلين معي .

فرحت فاطمة فهي لم تأكل خبزا ساخنا منذ مدة فنزلت وساعدتهاثم أكلت معها وشربت وقالت لها أريد نصيبا من الطعام للأخي حسن

أجابت العجوز خذي ما تريدين فلي الكثير في داري تعالي معي فهي ليست بعيدة وأنا أعيش وحيدة ترددت فاطمة ثم قالت لا أقدر أن أترك العجوز ترجع وحدها فالمسكينة ضريرة وقد تسقط أو تصاب بمكروه.

سارت البنت مع العجوز ولمّا رأتها العصافير تبعتها فلم تكن تحب تلك المرأة وكلّما كانت فاطمة تسألها هل وصلنا يا خالة ؟ تجيبها : مازال هناك القليل حتى خرجا من الغابة ودخلا المدينة

وفي النهاية وصلا أمام بناية كبيرة فتعجبت فاطمة وسألتها هل هذه دارك ؟

ضحكت العجوز بمكر وأجابت : هذا قصر السلطان وأنا في خدمته تعالي وادخلي فستأكلين من مائدته ونملأ جرابا من الطعام لأخيك .

لما دخلت وجدت الجواري في إنتظارها وألبسنها ثيابا غالية الثمن ثم وضعن أمامها سفرة عامرة بالسمك المشوي واللحم والحلوى وكل ما تشتهيه النفس فلم تقدر أن تمنع نفسها

وجلست تأكل وهي مندهشة من كل هذا الطعام وبعد لحظات أتى فتى وسيم وجلس إلى جانبها ولما رأته :قالت له ماذا تفعل هنا ؟

أجابها : هذا قصر أبي وأنت ضيفتنا وأنا أحبك وسيأتي السلطان لرؤيتك ،وسأعطيك عطورا ومجوهرات لتتزيني بها في حضرة السلطان

قالت فاطمة للأمير: موافقة لكن لي شرط أن تحضر أخي حسن ويعيش معي هنا في القصر فهو كل ما تبقى لي ،بعد أن إختفى أبي

.بينما طلب الأمير ابن السلطان من فاطمة ان تكون ضيفتهما في القصر فكان رد فاطمة للأمير انها موافقة لكن لها شرط واحد وطلبت وقالت للأمير يجب أن تحضر أخي حسن ويعيش معي هنا في القصر فهو كل ما تبقى لي بعد أن إختفى أبي

أجاب الأمير : سأرسل حالا في طلبه وسيكون برفقتك لما يأتي السلطان لرؤيتك

لكن في هذه اللحظة سمع صياحا قرب باب القصر ولما أطل من الشرفة رأى فتى يريد أن يدخل بالقوة والحرس يحاولون منعه ولم يقدروا عليه فقال: لم أر في حياتي أشجع منه

ردت البنت : دعني أنظر ثم صاحت إنه أخي حسن سأنزل إليه بسرعة قبل أن يلحق به رجال أبيك الأذى

فضحك وقال :بل هو من سيصيبهم بالعطب إن لم نوقفه

لما رأى حسن أخته عانقها بشوق وقال معاتبا: كيف تذهبين وتتركينني وحيدا ولولا الطيور التي أخبرتني عن العجوز لما عرفت مكانك

أجابت : لو إنتظرت قليلا لجئت إليك وأركبتك في عربة السلطان

قال حسن :أنا لا أفهم شيئا ثم ما الذي تفعلينه هنا ؟

إقترب الأمير

وقال: أنا حسام الدين إبن مولاي إسماعيل و أريد أن أطلب منك يد فاطمة لقد كنا سنخرج للبحث عنك والقدوم بك معززا مكرما يحيط بك الحرس والخدم .

أجاب حسن: لكني لاأستحق كل هذا الشرف فما أنا إلا ولد يتيم

بكى الأمير وقال: كلنا أهلك وأنت من اليوم صديقي وسأخبر أبي عن شجاعتك ليجعلك قائد الفرسان في جيشه وستكون لك حجرة في القصر وزوجة جميلة

صمت الفتى ثم تذكر الحمامة البيضاء التي لم تعد تجيئ وقال في نفسه: لقد كانت تعرف أن الله سيرزقنا من نعمته لذلك طارت مطمئنة إلى السماء وإنحدرت على عينيه دمعة كبيرة فالآن بإمكانهما أن يأكلا حتى يشبعا ولا يخافان من السباع والهوام التي تعيش في الغابة ورفع يديه إلى السماء وقال :ما أعظم رحمتك يا رب

في الغد لبست فاطمة أفخر الثياب وتزينت ،ووضع حسن جبة من الحرير المطرز وعمامة وربط في وسطه حزاما جعل فيه خنجرا من الفضة ولما دخل السّلطان إسماعيل إندهش من جمال فاطمة وأخيها وأدبهما

ولو لم يكن يعرفهما لإعتقد أنهما من أبناء الملوك سألهما عن حالهما فقصا عليه حكايتهما مع امرأة أبيهما والبقرة التي كانت ترضعهما والحمامة التي نزلت من الغيوم .

كان السلطان يستمع ويتعجّب من هذه الحكاية ثم قال: يا لها من قصة شديدة الغرابة لكن الله يجازي عباده الصالحين وأمكما كانت قلقة عليكما وهو جعل أسبابا لتعيشان عندي

وسأزوج حسن من إبنتي نسرين وهكذا نكون أهلا فما رأيكما ثم نادى على إبنته فجاءت

وقال لها : حسن شاب مليح من رعيتي يريد أن يخطبك فإذهبي وتحدثي معه فإن أعجبك سنحدد لك المهر وموعد الزواج

جلست الأميرة نسرين مع حسن وبعد لحظات إلتفت إليهما السلطان إسماعيل فقد علت ضحكاتهما وظهر على إبنته السرور فلم ترفع نظرها عنه فقد كان جميل الوجه قوي البدن ومسليا جدا

ذهبت البنت إلى أبيها وقالت :مهرى سبعة ظباء وحشية أضعها في حديقة القصر فأنا لا أريد ذهبا ولا فضة وإتفقت مع ذلك الفتى أن يحملني إلى الغابة لأتفرّج على عجائبها وآكل من ثمرها كل هذا يجب أن يكون مثيرا فلقد مللت عيشة القصور والدعة والترف .

بعد أسبوع تزوج حسن وأخته في نفس اليوم وأحسا بالسعادة لكنهم بقيا يفكران دائما في أبيهما وكثيرا ما يتساءلان أين هو الآن ؟

فقلد كانا يحنان كثيرا إلى دارهم فكل ركن منها كان مليئا بالذكريات وفي أحد الأيام كانت فاطمة في شرفة القصر تمشط شعرها وفجأة رأت رجلا يجر عربة ثقيلة

وقد تصبّب العرق من جبينه ولما إقترب منها عرفته فلقد كان أباها وتألمت من حالته فصاحت أبي أنا فاطمة إبنتك توقف الرجل ونظر في جميع الجهات

ثمّ قالت له : إرفع رأسك فأنا في القصر

لم نظر كانت المفاجأة التي لم يكن يتوقعها فلم يكن يتخيل أن أبنائه الذين تركهم في الغابة سيصبحون من أهل القصر

بينما رأت فاطمة اباها دخل القصر نزلت وحضنته وبكيت كثيرا ثم مسحت دموعها وسألته: ماذا تفعل في المدينة وأين تسكن الآن ؟

أجابها: قبل كل شيئ أين أخوك أرجو أن يكون معك هنا يتبع..

بقرة اليتامى الجزء الرابع

قالت : لا تقلق عليه فهو الآن من كبار أعوان السلطان مولاي إسماعيل لم يصدّق الرجل نفسه وسألها : كيف يمكن ذلك ؟ أجابت: إنه دعاء أمي التي تحبنا

قال الأب: وأنا أيضا أحبكم ولقد تزوجّت تلك المرأة لتعتني بشؤونكم لن دبت الغيرة في قلبها من حسنكم أنت وأخيك قالت فاطمة :أنصحك بالتخلص منها وسنزوجك جارية صغيرة وتأتي للإقامة معنا فزوجي الأمير حسام الدّين سيفرح لقدومك

زادت دهشة الأب فلم يكن يتخيّل أنّ أبنائه الذين تركهم في الغابة سيصبحون من أهل القصر ثم حمد الله وشكره

وقال : لقد كذبت علي تلك اللعينة ولما وصلنا إلى دارنا الجديدة في قرية قرب الجبل لم أجدكما

وإدعت أنكما هربتما في الطريق وطبعا لم أصدقها وصرت أنقل البضائع قرية إلى أخرى وأنا أسئل عنكم

وذات يوم أخبرني أحد التّجار أنّه رأى جارية لها صفاتك برفقة عجوز في المدينة ولما اخبرني أن شعرها الذهبي يلمس قدميها

تأكدت من صدقه فجئت أبحث عنك ويشاء الله أن نلتقي

طلبت منه فاطمة أن ينتظر ثم أحضرت له رغيفا وجبنا ولبنا و لفتهم في منديل وقالت :لقد أعددتهم بنفسي وتعال لرؤيتي كلما مررت من هنا

رجع الرجل إلى البيت ولما فتح الرغيف وجده مليئا بالذهب وعلى المنديل أبيات من الشّعر :

إعمل خيرا في كل لحظاتك وارميه وراءك فالله يرى أفعالك

فسبحانك ربي ما أعظم شأنك هلل في الليل القمر وأضاء أيامنا نورك

أكل الأب الطعام ولف الذهب في المنديل وأخفاه تحت السرير وإشترى ثيابا جديدة وحلق وتعطر وأصبح يخرج كل يوم ،ولا يرجع إلا في الليل ولمّا تقول له إمرأته تعال تعشا معي يجيبها تعشيت

وفي أحد الأيام أصابها الشك أنه يرى امرأة أخرى فبحثت في الغرفة حتى وجدت منديل الذهب ولما فتحته رأت الخط وعرفته فهو خط فاطمة

وقالت :يبدو أن مقصوفة الرقبة أصبحت تكيل الذهب بالمكيال وأبوها يأكل عندها وربما هم الآن يتآمرون علي سأتبعه وأعرف أين يذهب

في الصباح لما خرج الرجل تلفت يمينا وشمالا ثم مشى قليلا كان هناك مخزن قديم أخرج منه عربة مليئة بالتبن يجرها حصانان ركب عليها وقصد القصر

وهي وراءه تحدث نفسها: :أخفيت عني الذهب والعربة .. آه ؟ سترى ما أفعله بك أيها الوغد

ومن بعيد رأت فاطمة تخرج له ويدخلان معا ولما وسألت الحراس عنها أخبروها أنها زوجة الأمير فصعقت من هذا الخبر وكادت تسقط على الأرض وصاحت :لقد قام سعدها !!!

كانت خادمة في بيتي لا تشبع من الطعام والآن صارت أميرة أليست إبنتي عيشة أولى بذلك سأجعلك تندم أيها اللعين فانت لم تعرف حقيقتي وذكائي بعد

…….. لما رجع والدهما إلى الدار في المساء لم تخبره زوجته عن شيئ ودعته كعادتها إلى العشاء

وفي الصباح قالت له: سأخرج لجمع بعض الفطر من الغابة مع عيشة ثم جرت إلى المخزن مع ابنتها واخفتا في التبن الموجود في العربة

بعد قليل جاء زوجها وركب عربته إلى القصر وما إن دخل حتى قفزتا ،وأسرعتا بالتواري خلف الأشجار ثم جاء العبيد وأفرغوا التبن وقدموه لخيول السّلطان

قالت المرأة في نفسها: إذن كلفك السلطان بشغل دون تعب وباقي اليوم تقضيه في القصر مع أولادك وتأكل من مائدة الملوك وأنا وإبنتي نصيبنا طعام الفلاحين هل هذا ما إشتهيته لنا سأجعلك تندم أيها اللعين فأنت لا تعرف دهائي !!!

بعد ساعة خرجت فاطمة إلى الحديقة وكانت تضع يدها على ظهرها وتمشي ببطئ أطلت زوجة ابيها ورأت أنها حامل فازدادت غيرتها وحلفت أن تنتقم منها

ثمّ إتبعتها حتّى شاهدتها تجلس أمام حوض ماء من المرمر خاصّ بحريم السلطان كان الطقس في ذلك اليوم حارا فنزعت فاطمة ثيابها ونزلت لتستحم

لاحظت المرأة أن الحوض له غطاء من الخشب المطعم بالعاج والعبيد يقفلونه في المساء فتسللت ورائها وأغلقته ثم أدارت المفتاح وألقت به وسط الأعشاب بعد ذلك جمعت ملابسها، وهتفت بفرح: ستموتين هناك ولن يفطن لك أحد

بدأت البنت تصرخ لكن لم يسمعها أحد ولما جاء العبيد رأوا من بعيد الحوض مقفلا فانصرفوا

رجعت المرأة لمكانها وقالت لعيشة :ضعي هذه الملابس فلها نفس مقاسك ومن حسن الحظ أنّك سمنت وزاد جمالك

ردت البنت: ذلك بفضل البقرة فلقد وعدتني بذلك إن أحببت إخوتي

ردت أمها: كفى هراءا كيف يمكن لها أن تفعل شيئا وهي كدس من اللحم ؟

سألتها عيشة: لكن من صاحبة هذه الملابس يا أمي ؟

أجابتها : هذا لا يعنيك إلبسيها وإربطي وسادة على بطنك لتظهري كأنك حامل وتعالي لأظفر شعرك وأزينك

ثم تذهبين إلى الأمير وتدعين أنك زوجته لا تفوتي الفرصة عليك هل فهمت والويل لك إن رفضت أوامري

عرفت زوجة الأب أن حسن غائب عن القصر وقالت : سأهتم به فيما بعد أما الأن سأدس لزوجي سحرا يجعله ينسى حتى إسمه لا يجب أن يعرف أحد أن الفتاة التي معه هي عيشة

وسينتهي به المطاف أن يحبها وإن لم يفعل ذلك سأسحره وأجبره على ذلك

أما عيشة فقالت : يجب أن أنفذ وصية أمي وإلا نلت عقابها لا أدري لماذا أصبحت فجأة سيئة الطباع ثم تساءلت والآن كيف سأعرف حجرتي في هذا القصر الواسع ؟

فكرت قليلا وقالت لأحد العبيد : إني لا أقدر على المشي هل بإمكانك مرافقتي ؟

أجاب : سمعا وطاعة يا مولاتي أحسّت عيشة بالزهو وقالت: لم لا أكون أميرة هن لسن أجمل مني ولن يشك أحد في أمري

حين وصلت إلى حجرتها أعجبها الحرير والديباج وجلود النمور المفروشة على الأرض والوسائد بريش النعام ثم إستلقت في فراشها وإستمتعت بالدّفئ

بعد ساعة جاء الأمير وإندهش لرؤيتها وقال لها ما لك تغيرت

فتصنّعت المرض وأجابت بصوت ضعيف لقد أرهقني الحمل يا حسام الدين آه لو تعلم ما أعانيه

قال: معك حق إستريحي وسيأتيك الخدم بعشائك إلى السرير

ثم سألها : كيف حال أبيك اليوم ؟

قالت : بخير ،لا شكّ أنّه رجع إلى داره الآن أو ربّما ما زال في الطريق من يدري ؟ إنصرف الأمير ،وهو يقول : فاطمة تبدو غريبة اليوم هناك شيئ مبهم لا أفهمه لكن قد يكون ذلك بسبب المرض

أحس الأمير بالقلق وخرج يتجول في الحديقة فرأى كلبا يمسك في فمه فردة حذاء ولما نظر إليها تعجب فقد كان حذاء فاطمة وهو الذي أهداه إليها

قال للكلب: أرني أين عثرت عليه فقاده إلى حفرة في طرف الحديقة ووجد الفردة الثانية ملقاة هناك ففكر وقال في نفسه :من فعل ذلك كان يريد إخفاء الحذاء لكن لماذا ؟

بقرة اليتامى الجزء الأخيـــــر

….. بينما قد كان الأمير يتجول في الحديقة حتى رأى كلبا يمسك في فمه فردة حذاء ولما نظر إليها تعجب فقد كان حذاء فاطمة وهو الذي أهداه إليها

قال للكلب: أرني أين عثرت عليه فقاده إلى حفرة في طرف الحديقة ووجد الفردة الثانية ملقاة هناك ففكر وقال في نفسه :من فعل ذلك كان يريد إخفاء الحذاء لكن لماذا ؟

وفجأة ضرب رأسه بيده وهتف :الآن فهمت تلك الفتاة ليست فاطمة لقد أحسست بذلك منذ أول لحظة رغم أنها جميلة مثلها وتعرف عنها كل شيئ

رجع حسام الدين إلى عيشة وسألها من أنت هيا أخرجي من الفراش وقفي أمامي

إرتبكت الفتاة وسقطت من بطنها المخدة و حين عرفت أنّ أمرها قد إنكشف نزلت دموعها وقالت : أمي هي من طلب مني ذلك وأنا لا أعرف شيئا عن زوجتك .

فتشوا كل مكان في القصر لكن لم يجدوها رجع حسام الدين وسألها : أين وجدت أمك الملابس؟

ردت في الحديقة

صرخ الأمير : لقد عرفت مكانها الآن إنها محبوسة في الحوض هيا أسرعوا لما وصل حسام الدين وجد الغطاء مقفلا

وسمع بكاء صبي قال للعبيد : اكسروا القفل لقد أراد أحدهم قت*ل الأميرة ولو أمضت ليلتها في ذلك الماء البارد لماتت

حين فتحوا الغطاء وجدوا فاطمة ترتجف من البرد وتحضن رضيعا بكل قوة لكي تمنحه الدفء،

أخرجوها ورموا عليها رداءا من الصوف فدبت فيها الحياة قال لها الأمير : لقد كنت شجاعة ولا أحد يتحمل ما عانيته أخبريني من فعل بك ذلك ؟

أجابت: امرأة أبي والآن تعلم ما في نفسها من شر إني أخاف على أبي بعد أن علمت أنه يزورنا في القصر كل يوم

قال الأمير : سأرسل حرسي إلى داركم لتحضر أمامي فلا بد من عقابها على ما إقترفته يداها

وقبل أن أنسى أختك عيشة هي من كان سيأخذ مكانك

قالت فاطمة : لقد إعتقدت أنها تغيرت لكن غلب عليها طبعها السيئ لكن أين هي أريد رؤيتها لما إقترب حسام الدين وفاطمة من الحجرة سمعا صراخا

ولما فتحا الباب أصابتهما الدهشة فقد كانت عيشة تنظر في المرآة إلى وجهها البشع وتصرخ بشدّة …

لم يفهم الأمير ما يحدث لكن فاطمة قالت :لقد عاقبتها بقرة الأيتام على كذبها إرتمت عيشة على أختها وصاحت: سامحيني فقد غرني الطمع وأردت أن آخذ زوجك وكل ما عندك من أثواب ومتاع

وأعترف أني رأيت قلادتك على الفراش وعرفت أنّك أختي لكني غرت منك فلم يخطبني أحد ولم أفكر إلا في نفسي

في هذه الأثناء دخل الأب إلى داره بعدما وضع العربة في المخزن كعادته ووجد على المنضدة صحنين من الحساء الساخن ورغيف خبز وقالت له إمرأته : كل طعامك وسأحظر لك سمكا مشويا

رد عليها : لقد تعشيت

لكن المرأة ألحّت عليه ولما دخلت المطبخ أفرغ ربع الحساء في صحنها ثم قال لها : لقد أكلت ما فيه الكفاية و سأذهب للنوم

رجعت المرأة بالسمك ونظرت إلى صحن زوجها فوجدته منقوص فتمتمت :هل تعلم أني دسست لك سحرا يجعلك تنسى كل شيئ القصر وأولادك وحتى اسمك سيكون هذا أفضل لك أيها اللئيم

بعد قليل جاءت فاطمة مع حرس الأمير وطرقت الباب بقوة ففتحت لها زوجة أبيها وسألتها ببلاهة : من أنت وماذا تريدين ؟

تعجبت الفتاة وقالت : ألم تعرفيني يا خالة أريد رؤية أبي قالت لها ومن أبوك

دخلت فاطمة تجري إلى حجرة أبيها ولمّا رآها سألها أرى القلق على وجهك ماذا حصل ؟

ردّت عليه : لقد قامت زوجتك اليوم بشيئ مروع وقصت عليه كل ما جرى

ظهر الغضب الشديد على الرجل وقال هذه المرّة سأطردها من بيتي

خرج من حجرته ولما رآها صاح : خذي ثيابك وأغربي عن وجهي أنت طالق

فنظرت إليه وسألته من أنت أنا لا أعرفك ثم خرجت من الدار وهامت على وجهها في الغابة

نظر إليها الرجل بدهشة ثم هتف إنه صحن الحساء لقد ألحّت أن آكل منه لكن في النهاية هي من أكلت منه ووقعت في شر أعمالها والآن هيا نرجع للقصر ونرى أختك عيشة

لما دخل أبوها كانت عيشة جالسة في ركن وتخفي وجهها بين يديها فقال :يا بقرة الأيتام سامحيهاروجمال الأزهار البرّية إمنحيها فقد ذهب الشّر بعيدا عنا دون رجعة وببركة واذن من الله أنزل على قلوبنا الطمأنينة والحب والرحمة

ولما أتم كلامه دخلت فراشة صغيرة من النافذة ورفرفت حول البنت الحزينة ولما رفعت رأسها إندهش الحاضرون فلقد أصبح لها جمال الورد البرّي

وبكت فاطمة ، وقالت: رحمك الله أيتها البقرة الحنونة ورحم أمّي ،وجدّتي فإني أفتقدكم يا أحبّائي. ….. النهاية

إنتهت الحكاية وأرجو أن تكون قد استمتعتم ونالت إعجابكم