قصة واقعية لقد ابتلاني الله بزوجٍ بليد.

قصة واقعية لقد ابتلاني الله بزوجٍ بليد. رُزِقا بمولودٍ بعد مُضي سنة من زواجهما ، ثم مَضت سنوات ، أعادت نفسها بكل يوم ، فهو ذلك الرجل البسيط الذي لم يرغب من الحياة سوى الإستقرار الذي كانت تراه زوجته روتيناً يومي قاتل ، يأتي من عمله عصراً يتناول الغداء ثم يأخذ قيلولة ،ليصحو بعد ساعتين يلتصق على الكنبة أمام التلفاز بضع ساعات ويتناول العشاء ، ثم يعاود النوم .

كانت زوجته ترى كل اللواتي يُحِطْنَ بها كيف يَعِشْنَ مع أزواجهن ، غير أنهنَّ يُسمِعنها قصصاً عن رجال لم يكتفوا بعملهم ، بل بحثوا رغم المشقة ، ليجدوا عملاً إضافياً يزيد مردودهم المادي إلى جانب الخروج من المنزل وقتل الروتين الذي يؤثر على حياة زوجاتهم .

بدأت تدريجياً ،تشعر بالضيق من البليد الذي لا يتحرك من البيت ، كما أصبحت تنعَته مع نفسها ومع من تشكو له همومها ، فمع أنّ وضعهم المادي يكفيهم لعيش حياة لا تضطرهم لمدّ يدهم لغيرهم ، لكنها كانت ترى ذلك أقبح من الشحاتة ، فالشحّاتين ربما في حالة مادية أعلى منها ، يسعَون ليلاً ونهار ويجوبون الشوارع والطرقات ، بل حتى الذين يعملون بنبش القمامة ، دخلهم أفضل من زوجها “العتّال”.

ذات ليلة عاد إلى المنزل، لم يرى الماء ساخناً كالمعتاد ، ولا الطبيخ جاهز ، فقد اكتفت بتحضير البيض والزيتون والجبنة والشاي الذي كان يجب أن يتناوله على العشاء ، فسألها قائلاً:

-لماذا لم تسخني الماء ، وتحضري الغداء؟

ردت بغضب حاولت كبحه:

-كي لا يرتاح جسدك وتنام وتعيد يوماً من أيام السنوات السابقة.

-لم أفهم؟

انفجرت بوجهه قائلة:

-ستذهب حالاً للبحث عن عمل بعد أن تتناول بضع لقيمات ، فأنا لم أعد احتمل حياة العبودية هذه ، أي حياة ونحن بالكاد نملك قوت يومنا ، نحن في عداد الموتى .

ردّ بدهشة عارمة :

-ماذا أعمل يا ابنة الناس ، لا شهادة معي ، ولا صنعة بيدي ، أبي لم يعطني فرصة لتعلم أي صنعة وأخرجني من المدرسة وأنا بالكاد أفكّ الكلمات ، فكان يقول إنّ مخي بليد .

صمت لحظات ثم تابع :

-أنا لا أتقاعس عن حمل أي شيء ، أحمل الأثاث والمفروشات المنزلية ، وأحياناً أكياس الرمل والحجارة ، وصناديق الخضار والفاكهة ، فأعود منهكاً أتلهّف لعناق الوسادة، غير أن ما أجنيه يومياً ليس مبلغاً ثابتاً .

-قلتَ لي ذلك مراراً وتكراراً ، ارحمني من أعذارك الخالية من المنطق ، من جدّ وجد ، إن أردت َ السعي فستجد .

بدأ الغضب يجتاحه :

-لا باب لدي للرزق الحلال ، لا طريق عندي سوى الحرام ، هل ترضَيْن أن أطعمكِ أنتِ وابنك حراماً.

-إن لم تجد طريقاّ للحلال ، فالله هو الذي قدّر لنا الحرام ، وهل أصحاب الأموال جنوها بالحلال ؟! وأصلاً لا تسمي وارداً يعود عليك وعلى عائلتك بالرخاء حراماً بل هو عين الحلال، أليسَ حراماً أنّ ابنك أتمّ العشر سنوات ، ويتمنى أن يشتري مايحلو له ، لكنه محروم بسبب وضعنا المادي ، غير أنه ترك الدراسة ونزل كي يتعلم مهنة النجارة على أمل تخفيف عبء المصاريف عنك.

جلس دقائق يتخَبّط بكلامها ، وتذكَّرَ مشورة صديقه بالعمل ، التي طابَقَت رأي زوجته ، فقال في قرارة نفسه:

-بما أنَّ اثنان كلامهما عكس كلامي ، فمن المؤكد أني المخطئ ، وقد أغلق الله كل الأبواب في وجهي منذ صغري كي أسلك هذا الطريق وأجني المال .

ثم التفَت لزوجته وقال:

-ستحصلين على مبتغاكِ ، أمهليني للغد ، كي آتيكي بالخبر اليقين.

……يتبع

الجزء الثاني: لقد ابتلاني الله بزوجٍ بليد

في صباح اليوم التالي، ذهب إلى عمله وقابلَ صديقه كالمعتاد، وفي الاستراحة بعد الأحمال الثقيلة قال لصديقه:

-هل تتذكر عندما أخبرْتَني منذ بضعة أشهر ، عن الرجل الذي يعمل معه زوج أختك في تهريب المشروبات الكحولية ، وعلب السجائر؟

ردَّ بصدمة عارمة :

-هل وافَقْتَ على العمل معه؟

-نعم

-وأخيراً ، وجدتُ رجلاً يشبهني ، لقد شجعني قرارك فأنا متردد منذ بضعة أشهر وأنا أقول لنفسي، لماذا أسير بطريق الخطأ ولا أحيا كباقي الناس الذين أوضاعهم مشابهة لوضعي.

-كما قالت زوجتي ، إن هذا الطريق قد كُتِبَ علينا .

-دعك من هذا ، سنذهب معاً بعد العمل للقاء زوج أختي ، كي يجمعنا برجل الأعمال الذي سيقوم بتوظيفنا معه.

كانت تلك الليلة الأولى التي لا يعود بها زوجها إلى المنزل بوقته المعتاد ، وأسعد يوم بحياتها فقد أيقنَت أنّ بتأخيره سيأتي الخير معه .

عند اقتراب الساعة الثانية عشرة ليلاً ، دقّ ناقوس الخطر قلبها ، فبهذا الوقت يكون زوجها في سبات عميق ، فأصبحت تتحرك يميناً ويساراً بأرجاء المنزل وتضربُ كفّيها ببعضهما:

-أخشى أن يكون قد حصل مكروه له .

وبعد بضع دقائق ، فتح الباب فهرولت إليه بلفهة لم يرى مثيلها منذ أول زواجهما ، فقالت له:

-أخبرني لماذا تأخرت ؟ ماذا حدث معك ؟

-انتظري كي ألتقطَ أنفاسي ، أحضري كأس ماء .

شرب الماء وجلس بضع دقائق ثم بدأَ بسرد ما حصل :

-لقد قابلتُ أنا وصديقي الرجل الذي يعمل عنده زوج أخته ، لكني دُهِشْتُ عندما قال صديقي أنّ زوج أخته على الرغم من أنَّ أوضاعه المادية جيدة من الأساس ، ومع ذلك يسير بهذا الطريق منذ سنوات.

قاطعَتْه قائلة:

-أرأيت؟! هل صدَّقْتَ كلامي .

-دعيني أكمل ، تَنَفَّسَ الصعداء ثم تابع :

-سنعمل عند ذلك الرجل ، بحمل صناديق المشروبات الكحولية والسجائر المُهَرّبة ليلاً وبكامل السرية ، سنسافر براً وأحياناً بحراً ، ربما تمر ليالي أباتُ بها في مدينة أخرى فلا تقلقي.

-أقلقُ على ماذا عزيزي ، حمولة واحدة ستعود عليكَ بنقود تُعادِلُ حملَكَ شهراً لتلك الأشياء البالية .

لم يستطع النوم بتلك الليلة وهو يفكر بالرحلة التي سيبدأها في مساء اليوم التالي ، غير تفكيره بلهفة زوجته عليه التي لم يراها قط ، وسيراها بعد ذلك العمل مراراً وتكراراً ، أما هي فقد نامت وقلبها يتراقص فرحاً ، ورأت أحلاماً لم تراها قط ، بأنها أصبحت سيدة ثرية ، تحيا بمنزل فخم ، وتلعب بالنقود .

أمضى النهار كله بنوم عميق ، كي يذهب للعمل الجديد عند حلول المساء بتركيز عالي ، أما زوجته فقد التزمت الصمت والهدوء طوال اليوم كي توفّر له جواً مريحاً للنوم ، وعند حلول المساء ،ودّعته ودعت له بالسلامة لأول مرة في حياتها ، ثم حلّقت في أرجاء المنزل ، كي تبدأ بأعمال التنظيف ، وتنتظر قدومه في الصباح مع النقود التي طالما حلمت بها.

……يُتَّبع

قصة لقد ابتلاني الله بزوجٍ بليد. الجزء الثالث:

بعد الترتيب والتنظيف وطبخ الطعام الذي يحبه زوجها ، نامت عند حلول منتصف الليل ، كي تستيقظ عند قدومه وتأخذَ النقود لشراء أكثر من احتياجاتها اليومية . استيقظت فجراً على صوت مفاتيحه فهرولت إليه ضاحكة :

-لقد أتيت .

ثم عانَقَتْه :

-أين النقود؟!

مع أنَّ عناقها له كان بداعي المصلحة ، لكنه سُعِدَ به كثيراً ، وأخرَجَ رزمة نقود من جيبه وأعطاها إياها كلها .

كادت عيناها أن تَخرُجا من مكانهما من رؤية المبلغ الذي لم تحلم قط أن تمسكه بيديها ، فقالت له:

-هل ستعطيني كل هذا ؟

-بالطبع، فأنت امرأة لا تعرفين التبذير ، كنت تأخذين بضع ورقات نقدية تحضرين بها كل ما نحتاجه .

هرولت لتسخين الطعام ثم أعدّت له الماء الساخن للاستحمام، وما إن عانق الوسادة حتى خرجت من المنزل تهرول إلى السوق ، فأحضرت اللحم والأرز والخضار والفاكهة والحلويات .

عند عودة ابنها كادت جفونه أن تتمزّق برؤية اللحم والفاكهة والحلويات، فقد كان ذلك المنظر لا يراه إلا عندما يقف خلف زجاج المطاعم ،فأقبل على أمه وسألها :

-هل هذا الطعام ، قد طلبت منك امرأة غنية إعداده لعائلتها؟

ضَحِكَت ثم قالت:

-لا ياعزيزي ، أنا تلك المرأة الغنية ، وهذا الطعام لنا.

كانت تلك الجملة كصاعقة أصابَته ، فجلس على الكرسي الخشبي ، يحاول الخروج من الصدمة ، فجلست جانبه ووضعت يدها على كتفه ، وبدأت بسرد ما حصل له ، وحاولَتْ أن تجعل تلك البضائع ، كالقذارة بعينيه عندما قالت:

-لأنّ الأغنياء يعيشوا حياتهم بترف ورخاء ، يفيض منهم نقود ، ومن بخلهم وحماقتهم بدل أن يتصدّقوا بها للفقراء، يدفعوها على تلك المواد الضارة بلا أي نفع يعود عليهم.

-إذاً ، لمَ يشتروها إن كان لا نفع لها؟!

-يَرَوْنَ السعادة بها ، ولا يعلمون أن الطعام اللذيذ يعطي السعادة فهم لديهم الكثير ، غير أنهم لا يشعرون بسعادة الفقير إن أعطَوها له ، كونهم أغنياء .

شعر الصبي بكره نحو الأغنياء ، فقال لأمه وكأنه يعلم ما يجول بخاطرها:

-أخبري أبي أنّ يجعلني أعمل معه .

احتَضَنَتْه من شدة الفرح ، وقبّلَت جبينه ثم قالت :

-ابني البطل ، أخبره أنت عندما يصحو وإن لم يقبل فأنا سأُقنِعُه .

ما إن استيقظ الزوج حتى هرول ابنه إليه وعانقه:

-أبي أشكرك كثيراً ، لقد تناولنا طعام الأغنياء اليوم بفضلك.

احتَضَنَهُ أبيه وكادت أن تتساقط دموعه ثم أمسك بيده وجلسا على الطعام ، كَوْنَ زوجته قد أحضَرَت كمية طعام تكفي لتناول غدائَين ، نظر زوجها بسعادة لكمية الطعام الكثيرة ولم يعترض البتة أو يطلب منها التوفير ، فهو على يقين أنها في اليوم التالي سَتُخفِضُ كمية المشتريات وكانت هذه المرة الأولى كاحتفال.

التزم الصبي الصمت لحين شَبِعَ أبيه فقال له:

-أبي ، أريد العمل معك.

نظرَ له بصدمة ، ونظرَتْ بسعادة لكليهما وهي تنتظرُ ردّ زوجها بالموافقة ، لكنه أجاب:

-بالطبع لا ، فأنت لا تعلم طبيعة عملي .

وقبل أن ينطِقَ الابن بكلمة ، أشارت له بأن يصمت ثم طلبت من زوجها أن يأتي معها لغرفتهما كي تحادثه بأمر ما ، ذهب معها وهو يتساءل عما تريده لكنه صُعِقَ عندما قالت له :

-اطلب من مديرك بالعمل أن يُوَظّفَ ابنك معك

-هل جننتي ؟! وما الذي سيعمله طفل صغير ؟ كيف سيقوى على حمل كل تلك الصناديق ؟ ثمّ هل نسيتي أنه عمل خطر ، غير ذلك فهو يتعَلّم مهنة النجارة واستيعابه جيد في التعليم بحسب شهادة معلمه.

ردَّت بضيق:

-أيّ شهادة وأيّ تعليم وأي نجارة ، ما الذي ستعوده عليه تلك المهنة التي تساوي مهنة العتالة بمردودها، نحن في حيّ شعبي ، ما الذي سيجنيه النجار من تصليح قفل باب أو دقّ بضعة مسامير لخزانة مكسورة أو تقويم نافذة مخلوعة ، ضع عقلك برأسك يارجل ، واردك مع وارد ابنك سيعود علينا بالخيرات ، اطلب من مديرك أن يُؤَمّن له عمل وانتظر رده، إن لم يقبل حينها سيستمر بالنجارة كما كان ، ولا تنسى إن كان هنالك أي خطر على ابنك، لن يقبل صاحب العمل به كي لا يُسَبّبَ له الأذى.

صمت بضع دقائق يفكر بكلامها ، ثم قال:

-معك حق ، سأطلب من زوج أخت صديقي أن يجمعني بمدير العمل ، كون لا أحد يستطيع الوصول له إلا عند طريقه ، وسأخبرك عند عودتي الفجر بما قال .

خرج إلى العمل وابنه جالسٌ يترقّبه بعينين متوسّلتَين أن يكون قد وافق على كلام أمه ، فنظر له مبتسماً ثم قال :

-أمك ستخبرك .

نظر إلى أمه ، فابتسمَتْ له وأومأت رأسها بالموافقة ، ثم حلّق فرحاً بأرجاء المنزل ، بعدما قصّت له ما حدث بينها وبين أبيه ، وبعد بضعة ساعات نامت وهي ترجو أن يمضي الليل سريعاً ، كي يأتي زوجها بالنقود وبالخبر اليقين بعمل ابنها.

…..يُتّبع

قصة لقد ابتلاني الله بزوجٍ بليد. الجزء الرابع

في تلك الليلة استيقظت فجراً قبل موعد قدوم زوجها، فلم تستطع النوم جيداً من تَوقِها لمعرفة ردّ مديره . جلست على الكرسي الخشبي تنتظره أمام الباب وقبل أن يضع المفتاح ققزَت وفتحَت الباب بنفسها ، وقبل أن يلتقط أنفاسه قالت له :

-أروي لي ما حصل .

جلس وعلامات الحزن بادية على وجهه ثم أخرج من جيبه رزمة النقود وفوقها رزمة أصغر ، فكادَت أن تتمزّق جفونها وهي تمدّ يديها بابتسامة أخذت عرض وجهها ، ثم بدأ بسرد ما حصل:

-أخبرني المدير أنّ عمل صبي بسن العاشرة في حمل الصناديق ليلاً هو أمر ملفت للنظر،و بوجوده ستتفتّح العيون علينا ، لكن كان بباله عمل له ، وهو أنْ يقوم بإيصال الحبوب المخدّرة عالية التأثير وباهظة الثمن ،و كافة أنواع المواد المخدرة الأخرى .

قاطعته بدهشة :

-وكيف سيوصِلُ ولد بعمره تلك المواد ؟

-سيلبسُ ثياباً كالباعة المتجولين الذي يبيعون المناديل ، ثم يرافقه شخص بالغ يتَّفق بوقت مُسبق مع المشتري للقاءه بمكان ما ، ثم يتَتَبّعُهُ الطّفل الصغير ، وعندما يشير مرافقه إلى الزبون ، يذهب الطفل نحوه ويرجوه أن يشتري منه وبعد توسّلات يأخذ الزبون علبة المناديل وبداخلها المواد المخدرة ، ثم يُعطِه قطعة بسكويت بداخلها ثمن المخدرات ومعها ثمن المناديل ، فيمضي الولد بطريقه ومرافقه خلفه وعندما يصلان إلى نقطة آمنة يعطيه ثمن المخدرات .

صمتَت لحظات وهي تنظر له كمن لم تصدّق ما سمعَت ثم قالت له :

-لكن لماذا هذه الرزمة الأخرى ؟!

-هذه لابنك ، فعندما سمع المدير عن رغبته في العمل شعر بسعادة عارمة ، فالجهات المختصة تراقب المشهورين بتعاطيهم ، لعلها تستطيع القبض على الموزعين ، ولن يجد أفضل من الباعة الأطفال المتجولين كي يؤدّوا تلك المهمة بنجاح ، غير أنَّ ابننا محل ثقة كَوني أنا أعمل معهم ومن طرف زوج أخت صديقي وهو مقرّب للمدير.

-لقد فهمْتُ ، حركة بغاية الذكاء، فمن المؤكد أنّ الأمن لن يشكّوا بأطفال صغار ، إذاً متى سيباشر بالعمل ؟!

رد محتداً:

-أنا لم أوافق على عمله ، ألا ترين أنّ هذا الأمر في غاية الخطورة .

ردّت بحدّية أكبر :

-أرجوك ارحمني من جُبنك ، ومن أين ستأتي الخطورة إنها فكرة لا تخطر ببال إبليس . رزمة نقود مكافأة بسبب رغبته بالعمل ، وما أدراك بعد العمل كم سيعطيه؟

-سأعيد النقود

-لِمَ أخذتَها من الأساس؟

-خشيتُ بعد أن رأيتُ سعادته ، أن أرفض فيقوم بطردي.

-إذاً حتى لو رفضْتَ وأعدْتَ النقود سيطردك.

-صمت قليلاً ثم قال:

– معك حق ، سأنام بضع ساعات وأنتِ جهزّيه ظهراً كي آخذه للعمل ، فعمله سيكون نهاراً ، وأخبريه أنه أخذ نقوداً مكافأة على شجاعته ، واشتري له الأشياء التي طالما حلم بها، ولا تنسي أن تضعي ثياباً إضافية مع نعل إضافي بشنطة زبالة كي يجعلانها تلائم شكل الباعة المتجولين.

-لا يوجد نعل إضافي.

-إذاً اشتري له حال استيقاظه .

عندما استيقظَ ابنها في الوقت المعتاد،هرولت إليه وأخبرته بما قال أبيه ، وأعطَته رزمة النقود ، فكاد أن يقفز من الفرح، فلم تتوقّف رغبَته بالعمل على النقود وحسب ، بل أصبحت رغبَته بمساعدة الأغنياء على إيذاء أنفسهم تجتاحُهُ بشدة ، تناولا الإفطار ثمَّ نزلا إلى السوق كي يشتريا الحذاء والملابس والألعاب التي طالما حلم بها ، لحين موعد ذهابه إلى العمل.

ما إن أصبحت الساعة الثانية عشرة ظهراً ، قامت بإيقاظ زوجها ، فَقَفَزَ من مكانه خشية أن يتأخر ، ثم تناول بضع لقيمات وأخذَ ابنه وسار به إلى عمله الجديد،عندما وصلا وقابلا مدير العمل ، فَرِحَ برؤية صبي شكله شجاع لا يهاب الصعاب ، فملامح وجهه كانت توحي بالقوة ، فطلب منه ألا ينزع النظرة المتوسلة التي يستخدمها الباعة المتجولين لكسب استعطاف الزبائن ، ثم قاموا بتمزيق أجزاء صغيرة من ملابسه الإضافية ، وتوسيخ وجهه بشكل خفيف ، وقطع جزء صغير من نَعلِه، كي يأخذ الشكل النهائي استعداداً للعمل .

توقّع الأب أن ينتظر ابنه لحين عودته ، لكنهم أمروه بالعودة إلى المنزل والنوم كي يرتاح عندما يحين وقت عمله مساءاً ، وألا يقلق على ابنه فهم سيعيدوه عند اقتراب مغيب الشمس ، بأجرة عمله بعد ارتداء ملابسه الغير ممزّقة ، كي لا يلاحظ أحد من الجيران.

عاد إلى المنزل وقلبه يرتعش خوفاً على ابنه ، وعلى الورطة التي أوقَعَهُ بها ، وعندما دخل وسرَدَ ما حصل ،قالت له:

– لا يجب أن تقلق فهو سيذهبُ ويعود وحده بشكل يومي ، وبذلك لن يشكَّ أحد بأمره ، ويجب ألا ننسى أن نخترع أمام الناس وخاصة معلّمه النجار ، أن ابننا قد وجد عملاً مردوده أعلى بتصليح السيارات خارج الحي ، وأنّكَ قد تركتَ العتالة وتعمل الآن مرافقاً لرجل أعمال مهم بمردود أعلى .

أومأ رأسه بالموافقة بدون أن ينطق بكلمة ، ثم عاد إلى النوم، وهي حلَّقت من الفرح بعد تأمين عمل لابنها ، وأيقنَت أنَّ النقود من الآن فصاعداً ستأتيها كالينبوع .

….يُتَّبع

قصة لقد ابتلاني الله بزوجٍ بليد. الاخير

مَضَتْ سنتين بدَّلَتْا حالهم بشكل كلي ، كَونَها كانت امرأة مُدَبرة بامتياز ، تشتري كل ما يحلو لهم ، ولكن باقتصاد ، مما جعلها تدّخر نقوداً ، اشترت بها أثاثاً جديداً للمنزل ، أعقَبَهُ تجديده ،عدا عن ملابسهم التي باتت توحي بالغنى .

كانت تحكي لكل نساء الحي ،عن كل جديد تشتريه ، كي تُريهم النعمة التي هبطت عليها بعد صبر طويل ، مما جعلَهُّن يتهامَسْنَ عليها بكل مرة :

-ما هذا البليد الذي استطاع أن يُبدّل حالها بهذه السرعة ، عدا ابن البليد الذي ضاعَف رزقهم ، يا لهذا الرزق السريع ، فأزواجنا فنوا أعمارهم لكي نصل إلى ما نحن عليه الآن.

بكل مرة كانت تسمع تهامُسَهُنَّ كان يتملّكها الضيق ويعتصر فؤادها الندم على نَعْتِ زوجها “بالبليد” أمامَ من هبَّ ودَبّ فقد التصق هذا اللقب بعقولهم وألسنتهم .

بعد مضي بضع سنوات ، وتدفق النقود عليهم ، اشتروا منزلَ أغنى سُكّان الحي بالأثاث الذي فيه ،بعدَ أنْ عرَضَهُ للبيع ، للانتقال إلى العيش بحي فاخر ، فتبرّعت بمنزلها القديم بما فيه لعائلةٍ فقيرة جداً ، كي تقطع ألسنة الناس ، وتكسب قلوبهم بنفس الوقت ، لكن ذلك قد زاد من الغيبة والنميمة عليهم ، وأصبحَت ألسنتهم لا تتوقف عن قَوْل :

-مانوع المساعدة التي يُقدّمها هذا البليد ويأخذ عليها هذا الكمّ من النقود ، غير ابنه الذي يتعلّم تصليح السيارات ، ويجني نقوداً كرجلٍ أفنى عمره في تعلم المهنة .

لم يتوقف التغيير بحياتها على النقود بل أصبحت تُحِبُّ زوجها منذ أن جعلها تفعل ما يحلو لها ، ابتداءاً من شراء أثاث لمنزلهم القديم إلى شراء منزل جديد ، فكانت تعامله دوماً بحب وكأنهما حديثا الزواج ، لكنه لم يشعر بالسعادة يوماً ، وأصبح يُعاملها بنفس المعاملة التي كانت تعامله بها قديماً ، فكان يراها الشيطان الذي دفعه للغلط، غير أنَّ نفسه قدْ سوّلَتْ له سماع وسوتها ، فأصبح ضميره لا يتوقَّف عن تأنيبه.

استمرّ حالهم على ما هو عليه ، لحين جاءت الضربة القاضية عليهم ، فقد عَرِفَت الأجهزة الأمنية عن شحنة تهريب أسلحة ومواد مخدرة ، وبعد التقصّي والمراقبة تم القبض على الشحنة التي ينقلها زوجها ، مع كل الأشخاص العتّالين والمشرفين على تلك العملية .

شعر بصدمة كبيرة وأصبح طوال مدة اعتقاله يبكي كالأطفال وهو يقول:

-الشحنة لم يكن بها سوى المشروبات الكحولية والسجائر من أين أتت الأسلحة والمخدرات ؟!

بعد التحقيق مع كل المقبوضين عليهم تم الوصول إلى أنَّ الشحنات التي كان يتمّ نقلها كل تلك السنوات، كان يتم بها نقل جميع أنواع المخدرات خِفية ، كي لا يطمع العتّالين بمزيد من النقود ، وتكون المبالغ التي يتقاضونها بسيطة بالنسبة لصاحب العمل وخيالية بالنسبة لهم ؛ لكن مع نقل أول شحنة أسلحة ، تمَّ القبضُ عليهم .

مع أنه تم الوصول إلى الرأس المُدبر ، لكنه استطاع أن يشتري زوج أخت ذلك الصديق تحت التهديد بالقتل داخل السجن ، وجعله يأخذ كل تلك التهم على عاتقه ، وبالمقابل أن يصرف على عائلته أضعافاً مضاعفة ، وألاّ يقطع النقود عنه طوال مدة اعتقاله .

وبليلة صدور الحكم على زوجها ، دخلت بنوبة بكاء هستيرية ، وهي تقول : أنا السبب ، فقد تمَّ الحكم عليه بالسجن ثلاثون عاماً ، مما جعلها تُصاب بأزمة نفسية شديدة ، جعلها تلتزم الجلوس في المنزل بعد أن أصبحَت سيرتهم على كل لسان ، فلم تَسلَم لا هي ولا ابنها من نظرات الناس ، ولأنَّ ابنها لم يتم ذكره بالتحقيق ولا القبض عليه ،استدعاه صاحب العمل بعد خروجه كي يجعله مرافقاً له مما جعل وضعها النفسي يزداد سوءاً بعد أن باءت محاولاتها بالفشل لإقناع ابنها بترك العمل ، فكانت تقول له بشكل يومي :

-ستكون نهايتك بالسجن كمساعده ، لم لا تفهم؟! سيخرج نفسه مثل الشعرة من العجين ، ويُبقيكَ أنت بوجه النيران ، من المؤكد أنه فعل ذلك مراراً وتكراراً.

بعد أنْ ازداد خوفها من خسارة ابنها كما خَسِرَت زوجها ، أصبحَت كجثة متحركة، مما جعل ابنها يضعها بمصح لعلاج الأمراض النفسية ، كي يُكمِلَ عمله وهو مرتاح البال، لكن عندما نسيها فيه ، ازدادَ تعبها النفسي مما جعلها تَفقِدُ عقلها بشكلٍ كُلي .

انتهت القصة.

#رأيك في القصة ❤️❤️