قصة رائعة على نيّاتكم تُرزَقون هناك رجل يعلق كل آماله على صفقة يعتقد أنها ستكون مربحة لقد استثمر كل ما أنقذه عندما كان في عز شبابي، لكن القدر أن يصاب بخيبة أمل ويخسر. كل امواله
مما جعله يصبح رجلاً لو تجسّد التشاؤم بهيئة إنسان لأخذ شكله ، وأصبحت نظرته قاتمة السواد للحياة ، لكن الأسوأ من ذلك أنّ سوداويته قد طالت محيطه مما جعل أقرب المقربين إليه ينسحبون من حياته ،
إلا زوجته فقد بقيَت جانبه ، تحمّلت كل البؤس الذي تملّكَ حياتها، لعلها تجتاز تلك المحنةَ برفقته ، حاولت جاهدة أن تخلق من كل المواقف الكئيبة ، نكتاً مضحكة حتى لو بَدَت سخيفة ، لأنها كانت ترجو دوماً أن ترى لو ابتسامة واحدة له لعلها تسحب وراءها بسمات متتالية ،إلى أن استطاعت مرةً أن ترسم البسمة على وجهه وتوحي بفكرة إليه بآن واحد ، فبينما وهما جالسان تذكّرت قصة قريبها التي حصلت منذ زمن بعيد ، فأخبرته بها لعلها تنتشله من كآبته :
-أذكرُ أنّ أبي قد قَصَّ علينا قصة ابن عمه ، فقد كان دائم الحديث مع زوجته بأنّ أجمل شعور يعيشه الرجل في حياته عندما تتشاجر زوجاته لأجله ، حتى لو كانَتَا اثنتين ، فذلك أفضل من أن تتشاجر واحدة معه .
فنظر لها مُتَلهفاً وارتسمَتْ آثار بسمة على وجهه:
-وماذا كانت تقول له ؟
أكملَتْ بسعادة لرؤية ملامحه، بعكس قول تلك الزوجة:
-إنْ كنتَ تريد تجربة ذلك الشعور ، فأنا سأُضحي بسعادتي لأجلك .
فسألها بلهفة :
-أكملي ، هل تزوّج؟!
-ذَهَبَتْ بذاتها وخطبت له امرأة أخرى ، ثم تزوجها وعاشتا كالقطط في خناقٍ دائم للفوز به وكأنه قطعة لحم .
لم يُدلي بكلمة ، ثمّ انسحب إلى النوم ، وهي تتذكر تكملة القصة الحقيقية ، بأنّ كلما قال لها تلك الكلمات كانت تغضب بمنزل أهلها شهراً .
في اليوم التالي عند تناول الغداء قال لها :
-أنا أعلم أنكِ تُحبيّني ، واحتَمَلتي كل اكتئابي ومزاجي السيء كل تلك الشهور ، وأنا على يقين أنكِ تودّين لو أني أعود كما كنتُ سابقاً ، لكني أريد تغيير شيء بحياتي ، أو أن أُضيفَ شيئاً آخر يضيف السعادة معه .
نظرتْ له وبداخلها شعور حاولَتْ تكذيبه :
-ما الذي تودّ قوله ؟!
قطعة الأرض التي ورثتيها عن أبيك ، هل يمكنك بيعها وإعطائي ثمنها ؟!
فاحتدّت قائلة :
-أنهي حديثك بسرعة ولماذا كل تلك المقدمات ؟!
-أريدُ أن أتشارك مع صديقٍ لي بمحل مواد غذائية على مستوى عالي ، كي أجني نقوداً تُعوّضنا عن النقود التي خسرناها.
انفرجت أساريرها بعدما سَمِعَت ذلك الكلام ، ووافقت بكل سرور .
أخذَ ثمن الأرض ، وثمن بضع قطع من الذهب كانت محتفظة بها ذكرى من أمها ، ومضَت بضع أشهر كانت كلما سألَتْه عن تطورات العمل، أجاب بنحن في طَور التأسيس ، لحين اكتمل مشروعه الذي كان يؤسسه برأسه ودخل للمنزل كي يخبرها به :
-أعترفُ أنكِ امرأة أصيلة ولا عيوب تذكر فيكِ ، لكني أقسمُ أني حاولْتُ جاهداً أن أحبك ولم أستطع ، تزوجتُكِ لأنّ وضعك المادي كان مجاوراً لوضعي ، ولم أستطع الزواج من الفتاة التي أحببتها لأجل النقود ، فكرّستُ حياتي أن أجني المال لأتزوج امرأة أستطيع أن أحيا شعور الحب معها ، لكني خسرتُ كل شيء ، وأنا أعلم أنّ قطعة الأرض والذهب هي كل ما تملكين ، لذلك لن أتخلّى عنكِ وستعيشين معنا في بيت واحد وكأنّ لا شيء قد حصل ، لأني قد تزوجت .
كانت تلك الصدمة أكبر من صدمة وفاة والديها ، والتزمَت الصمت والدموع تنهمر على وجنتيها ، وهو ينظر لها بشفقة، لكنّ ما بداخله كان أكبر من شفقته .
مسحت دموعها وقالت:
-حتّى لو اضطُرِرْتُ للنوم عند أقاربي وأكل الخبز والزيت لن أُكمل حياتي معك أريد الطلاق .
ثم انسحَبَت إلى منزل ابن عمّها ، الذي كانت تعتقده كأخيها ..
يُتّبع …
قصة على نيّاتكم تُرزَقون الجزء الثاني
رحّب ابن عمها بها ولم يُشعِرها بالضيق ،على الرغم من شجار زوجته معه ، فمنذ أول يوم قالت له:
-وما الذي يُجبِرُكَ بها ، اطلب منها العودة لمنزل زوجها ، فليست أول امرأة تزوّج زوجها عليها ولا الأخيرة ، فلا معيل لديها ولا منزل ولا حتى وارد مادي.
حاول جاهداً إسكاتَها لئلا تسمع ابنة عمه ، لكن زوجته لم تكتفي بالحديثِ ، بل خرجت لابنة عمه ، فقالت لها:
-هذا جزاء ما اقترفتي ، لقد رفضتي ابن عمك الذي كان يحبك وكما جرحتيه قد ابتلاك الله بزوج جرحك ، فعدتي إلى ابن عمك كي تعيدي وصاله ، وتكوني زوجة ثانية له؟ اخرجي من منزلي .
لم ترى أمامها بعد الكفّ الذي ضربها إياه زوجها ، فهرولت إلى غرفتها لتأخذَ أغراضها وترحل ، كي لا تستطيع ابنة عمه الجلوس معه بالمنزل ، لكنه لم يسمح لها بالرحيل ، فاتصل ببنات أخته كي يأتين ويَجلِسنَ معهما .
اعتذرَت له وتمنّت لو تستطيع الذهاب لابنة عمها ، لكن زوجها كان مشهوراً بنظراته الغير بريئة تجاه النساء ، فلم ترغب أن تصيب ابنة عمها بالضيق بسببها .
لم تستطع النوم بتلك الليلة ، فقد عاد الزمن بها عندما سألها ابن عمها :
-هل تتزوجيني؟!
ضحكت من قلبها واعتَقَدَت كلامه مزاحاً فقالت له :
-أهذا مقلب جديد ؟، لا أوافق طبعاً ، فأعلم أنك أخي .
قالت ذلك لأنه كان مشهوراً بمزاحه بأي موقف لا يستدعي المزاح أصلاً، وهو أمضى الليل حزيناً نادماً على اللحظة التي أخبر زوجته بلحظة غضب ، بالموقف الذي حصل بينه وبين ابنة عمه فقد قال لها:
-كم أشعر بالندم لأني لم أخبر ابنة عمي بحبي لها فلا أحد كان يفهمني سواها ، لكني اعتبرتُ ردّها أنها لا تحبني ولم ترغب بكسر خاطري ، فقلتُ لها بالطبع مقلب .
في اليوم التالي اتصل ابن عمها بزوجها وأخبره أنّ زوجته قد باتت الليل بمنزله ، فرد الزوج قائلاً:
-أنا لم أطلب منها الرحيل ولم أطلقها ، فإن أرادت الرجوع فأهلاً بها وإن أرادت الطلاق على الرحب و السعة ، وعندما أستطيع جمع النقود ثمن ذهبها وأرضها سأعيدها لها .
أخبرَ ابنة عمه بردّ زوجها وأعطاها مهلة ثلاثة أيام للتفكير قبل الرد عليه بإصرارها على الطلاق ، وبعد مضي الأيام اتصل به وقال :
-زوجتك مُصرّة على الطلاق .
-كما تشاء ، وإن تركتها تعيش بقية حياتها عندك ، لا مانع إطلاقاً ، فأنا أعلم أنها كأختك .
ردّ محتداً :
-لا شأنَ لك أين ستعيش حياتها .
تم الطلاق ، فأخبر ابن عمها زوجته بذلك ، وطلب منها أن تعود إلى المنزل فلن يرمي ابنة عمه بالشارع ، وأنها ستُمضي ثلاث أشهر عنده وثلاث أشهر عند ابن خالها في المدينة المجاورة، إلى أن يتَقدَّم عريس يستحقها وتوافق عليه، لكن زوجته رفضَت الرجوع وأعطته مهلة للتفكير بأن يختار بينه وبينها ، لكنه لم يأخذ مهلة وردّ بنفس اللحظة :
-أختارها طبعاً .
تمّ طلاقه أيضاً ، وأمضَتْ ابنة عمه وقتها بين منزله ومنزل أخته عند غياب زوجها .
بعد مضي بضعة أشهر ، قرّر أنْ يعرض الزواج عليها ،فقد رأى أنّ طلاقها وطلاقه كانا لأجل زواجهما ، فقد كانت حياته بالأصل جحيماً مع زوجة لا تفهمه ولا يحبها .
فقال لها عند عودته من العمل :
-هل تتزوجيني ؟ لكن هذه المرة كلامي ليس مزاحاً ، فقد كبرت ُعلى المقالب ، فأنا يا ابنة العم أرغبُ بكِ من قلبي ، وليشهد الله أني أحبك و أني سأجعلك تعيشينَ معي حياة كريمة ، وخذي مهلة للتفكير ، وإن لم ترغبي بي ، فلي صديقٌ يبحثُ عن امرأة للزواج بعد وفاة زوجته ، إن رغبتي سأطلب منه التقدّم لخطبتك.
شعرَت أن قلبها سيخرج من بين أضلعها ، فوافقت بنفس اللحظة ، وقبل أن يتم الزواج ، سجّل باسمها قطعة أرض كان قد ورثها عن أبيه ، كما وَرِثَتْ، واشترى لها ذهباً أكثر من الذي باعَته ، وعاشَت معه حياة يملؤها الحب والتفاهم ، أما طليقها كان قد تشارك ببقيةِ نقود طليقته مع أخ زوجته ، ولم يعلم أنه كان يُخطّط للنصب عليه بالإضافة للنصب على
غيره والسفر، مما جعله يشعر بالكره والبغضاء تجاه زوجته واعتبرها شريكة لأخيها بعملية النصب ، فأصبَحَ يُعاملها بسوء ويُهينها على أتفه الأمور ، فطلَّقت نفسها منه ، وعندما اعتصر الندم فؤاده ، تحسّر على زوجته التي خسرها ، فعاد إلى منزل ابن عمها ، كي يُعيدها إليه ، كونه كان على يقين بأنها تحبه ولن تتزوج سواه .
طَرَقَ الباب بوقتٍ كانت مستعدة به للذهاب مع زوجها لتناول الغداء ففتحت الباب على الفور ، وصُعِقَت عندما رأته أمامها ينظر إليها بعينين متوسّلتَين:
-هل تعودي إلي ؟!
ردَّتْ على الفور:
-لقد تزوجْتُ ابن عمي ، فنده ابن عمها لها:
-حبيبتي من الطارق؟
كادت جفون طليقها أنْ تتمزّق مما سمع ، فقالت لابن عمها :
حبيبي ، فلتأتي إنه طليقي
أتى إليها بلمح البصر :
-ماذا تريد ؟!
فانفجر بوجهه غاضباً:
-كنت أريدُ استعادة زوجتي أيها الماكر ، وأنتِ يا لك من خائنة قد طلبتِ الطلاق لتتزوجي ابن عمك؟ .
تلّقى لكمةً من ابن عمها جعلَتْهُ يطيرُ إلى الوراء ويسقط أرضاً، ثم حذّره ألا يَلمَحه في المدينة كلها ، كي لا يُبرحه ضرباً ، فعاد إلى منزله مكسوراً وأمضى بقية حياته وحيداً بعد أن خَسِرَ كل نقوده .
انتهت القصة.