قصة واقعية قسمتي ونصيبي كنت أحلم بمستقبل أعيشه مع فتاة أتزوجها

كنت أحلم بمستقبل أعيشه مع فتاة أتزوجها عن حب متبادل ، يرتعش قلبي عند الحديث معها تلك الرعشة التي تعلن استسلامه للعشق ، ومع مرور أول سنتين في الجامعة ،

كانت عينايَ تبحثان دوماً عن تلك الفتاة التي سَتُدْخِلُ قلبي إلى عالم الحب ، لكن دون جدوى ، مع أني كنتُ أتحدّث إلى كل بنات دفعتي بلا استثناء ، فكوني الأول في كلتا السنتين ، كانت كل واحدة تطلب مني إما شرح سؤال أو أخذَ محاضرة مما جَعَلَ كل زملائي يحسدوني، ويُسمعوني الكلام ذاته :

-أيامك يا عمي ، لو كنتُ مكانكَ لتنازلتُ لها عن محاضراتي وعلاماتي وقلبي.

فكَونَ قسم الرياضيات، يتطلّب دماغاً مستيقظة، كانت أدمغة جميع زملائي ، مستيقظة لكل شيء عدا الرياضيات ، مما جعلني أتفوَّق عليهم .

قبلَ يأسي من الشعور بالحب ، انتَقَلَتْ إلى كُلّيَّتِنا فتاةً من محافظة أخرى، بعد أن بدأ الدوام ببضعة أسابيع، وعندما طلبَتْ مساعدة الفتيات أخبرنَها أنَّ لا أحد يستطيع مساعدتها سواي، فسألَتْني عن المحاضرات التي فاتتها وطلبَت مني أن أشرح لها الذي لم تحضره ، فجلسنا في المقهى التابع للكلية ، وما إنْ بدَأت بالشرح ، وأنا أنظر إليها حتى ارتعش قلبي رعشة لم أستوعبها حينها فقد كنتُ تائهاً بين الأرقام وسواد عينيها وملامحها التي أوحَت أن كل تركيزها مُنصَبَّاً على الفهم .

أخذْتُ كل الوقت لشرح محاضرة واحدة ، ثم طلبتُ منها لقاءات أخرى متتالية كي أنهي كل الشرح قبل أن نتوَغَّل في الدروس أكثر ، وبدورها وافقت بكل ممنونيّة ، لكني كنتُ أشعر بأني أنا المُمْتَنُّ لها .

ما إن التَقينا مرة أخرى حتى تأكَّدتُ من أنَّ مشاعري قد تحرَّكَت ، بعد أن كنتُ اعتقدْتُ أنها قد دُفِنَتْ وأنَّ الفتاة التي ستكون نصيبي ، ليست موجودة في الحياة ، وربما قد فارقَتْها في يومٍ ما .

شعرتُ بسعادة لا مثيل لها بعد أن طلبَت رقم هاتفي كي تسألني إن استعصى أمر ما عليها ، وبعد تتالي اللقاءات استطَعْتُ وبفضل استيعابها أن أجعلها تصل إلينا بفهم المحاضرات ، و شعرتُ بالحزن كون لقاءاتنا قد انتهت ، وبدَأتُ أفكر بأعذار كي ألتقيها مرة أخرى ،لكن تفكيري لم يطل ففي صباح اليوم التالي ، صُدِمْتُ عندما أتَتْني رسالة منها ، تطلب لقائي خارجَ الدوام، لاحتساء كوبٍ من الشاي ، كونها لن تأتي إلى الجامعة لأمرٍ خاص .

وصلتُ في الوقت المحدد ، فإذا بها جالسة بانتظاري ، جلستُ متلهفاً لأسمع ما ستقول ، وبعد أن طلبت الشاي لكلينا قالت لي:

-أودُّ أن أطلب منك معروفاً .

-تفضلي .

-أريدُ منك أن تخطبني.

…..يتبع

قصة واقعية قسمتي ونصيبي الجزء الثاني

كنت أحلم بمستقبل أعيشه مع فتاة أتزوجها عن حب متبادل ، يرتعش قلبي عند الحديث معها تلك الرعشة التي تعلن استسلامه للعشق ، ومع مرور أول سنتين في الجامعة ، كانت عينايَ تبحثان دوماً عن تلك الفتاة التي سَتُدْخِلُ قلبي إلى عالم الحب ، لكن دون جدوى ، مع أني كنتُ أتحدّث إلى كل بنات دفعتي بلا استثناء ، فكوني الأول في كلتا السنتين ، كانت كل واحدة تطلب مني إما شرح سؤال أو أخذَ محاضرة مما جَعَلَ كل زملائي يحسدوني، ويُسمعوني الكلام ذاته :

-أيامك يا عمي ، لو كنتُ مكانكَ لتنازلتُ لها عن محاضراتي وعلاماتي وقلبي.

فكَونَ قسم الرياضيات، يتطلّب دماغاً مستيقظة، كانت أدمغة جميع زملائي ، مستيقظة لكل شيء عدا الرياضيات ، مما جعلني أتفوَّق عليهم .

قبلَ يأسي من الشعور بالحب ، انتَقَلَتْ إلى كُلّيَّتِنا فتاةً من محافظة أخرى، بعد أن بدأ الدوام ببضعة أسابيع، وعندما طلبَتْ مساعدة الفتيات أخبرنَها أنَّ لا أحد يستطيع مساعدتها سواي، فسألَتْني عن المحاضرات التي فاتتها وطلبَت مني أن أشرح لها الذي لم تحضره ، فجلسنا في المقهى التابع للكلية ، وما إنْ بدَأت بالشرح ، وأنا أنظر إليها حتى ارتعش قلبي رعشة لم أستوعبها حينها فقد كنتُ تائهاً بين الأرقام وسواد عينيها وملامحها التي أوحَت أن كل تركيزها مُنصَبَّاً على الفهم .

أخذْتُ كل الوقت لشرح محاضرة واحدة ، ثم طلبتُ منها لقاءات أخرى متتالية كي أنهي كل الشرح قبل أن نتوَغَّل في الدروس أكثر ، وبدورها وافقت بكل ممنونيّة ، لكني كنتُ أشعر بأني أنا المُمْتَنُّ لها .

ما إن التَقينا مرة أخرى حتى تأكَّدتُ من أنَّ مشاعري قد تحرَّكَت ، بعد أن كنتُ اعتقدْتُ أنها قد دُفِنَتْ وأنَّ الفتاة التي ستكون نصيبي ، ليست موجودة في الحياة ، وربما قد فارقَتْها في يومٍ ما .

شعرتُ بسعادة لا مثيل لها بعد أن طلبَت رقم هاتفي كي تسألني إن استعصى أمر ما عليها ، وبعد تتالي اللقاءات استطَعْتُ وبفضل استيعابها أن أجعلها تصل إلينا بفهم المحاضرات ، و شعرتُ بالحزن كون لقاءاتنا قد انتهت ، وبدَأتُ أفكر بأعذار كي ألتقيها مرة أخرى ،لكن تفكيري لم يطل ففي صباح اليوم التالي ، صُدِمْتُ عندما أتَتْني رسالة منها ، تطلب لقائي خارجَ الدوام، لاحتساء كوبٍ من الشاي ، كونها لن تأتي إلى الجامعة لأمرٍ خاص .

وصلتُ في الوقت المحدد ، فإذا بها جالسة بانتظاري ، جلستُ متلهفاً لأسمع ما ستقول ، وبعد أن طلبت الشاي لكلينا قالت لي:

-أودُّ أن أطلب منك معروفاً .

-تفضلي .

-أريدُ منك أن تخطبني.

…..يتبع

قصة واقعية قسمتي ونصيبي الجزء الثالث

كانت أول شتيمة أسمعها بحياتي من أبي :

-هل أنتَ أحمق ، ما نفع دراستك إن كان لا عقل لديك؟!

وقفتُ كتمثالٍ من هول الصدمة ، فقاطَعَتْه أمي قائلة:

-وما يُدريكَ ، ربما قد تكون صادقة

صرخ أبي بوجهها وهو يقول :

-الآن قد عرفتُ من أينَ أحضرَ ابنك ذكائه.

تساقطت دموع أمي بلحظة ، مما جعلني أردُّ في وجهه بنبرة حادة:

-وجّه شتائِمَكَ لي ، فلا علاقة لأمي .

كان سينقَضُّ عليَّ لضربي ، لكن أمي وقفت أمامه وهي ترجوه أن يهدأ والدموع تتساقط من عينيها ، فقرَّرْتُ أن أنسحب لغرفتي كي لا تتفاقم المشكلة أكثر.

مع أني كنتُ أعتقدُ أني ضعيف الشخصية ، لكن وقوفي بوجه أبي بتلك القوة ، جعلَ ذلك حافزاً لي بأن أتمسَّكَ بها أكثر ، وأُصِرّ على خطبتها .

استمرَّ أبي على حاله بضعة أيام لا يُحادِثُ أمي ولا يُحادثني وكلما حاول أحد منا أن يتكلم معه ، كان يردُّ غاضباً:

-دعوني وشأني .

حاولَتْ أمي أن تفتح الموضوع معه مرة أخرى وتحاول إقناعه ، بعد أن أخبرتني أنها ستُحادِثُهُ وطَلَبَتْ مني أن أقف وأسمعها ، ثم بدَأَتْ حديثها :

-من الواضح أنَّ ابنكَ معجبٌ بها ، افرِضْ أنَّهُ ذهب من وراءنا وخطبها ، ولا تنسى أنَّ ابنكَ لا ينقصه شيء ، يستطيع أن يعمل أستاذاً لمادة الرياضيات ، ويجني مبلغاً مالياً يمكن من خلاله أن يصرفَ عليها ، ولا تنسَ أنَّ أباها كما فهمنا بأنَّ أحواله المادية جيدة، وربما يوافق على زواجهما بدون أن نحضر ، ويعطيهما منزلاً خاصاً لهما ، كون اببنا به كل المميزات التي يرغبها بزوج ابنته ، وحينها كيف ستصبح سمعتنا أمام الناس ؟!

صمت أبي للحظات ، اعتَقَدْتُ بها أنه سيردُّ بالموافقة ، لكنه قال بصوت منخفض ، رفَعَهُ بشكل تدريجي:

-أنتِ تُهَدّديني أيتها الحمقاء! ، وتعلمي ابنك أن يتمرَّدَ عليَّ ويُلَطّخَ سُمعتي بين الناس ؟!

حينها قاطَعْتُهُ وأنا أصرخ :

-أمي لا علاقة لها ، هذا الكلام أنا طلبتُ منها أن تقوله ، لأنني سأفعله، وإن حاولتَ أن تقف بطريقي سأترك المنزل ولن تستطيع إيجادي البتة .

انقَضَّ أبي عليَّ بلحظة واستطاعَ صفعي ، فانهالت دموع أمي وكأنها هي من تَلَقَّتها ، مما جعلني أنسحبُ مرة أخرى دون َ أن أنطق بكلمة .

لأنَّ تلك أول صفعة تلَّقيتها في حياتي ، توقَّعتُ أنها ستكون السبب بهدوء أبي وسماعي وكان توقُّعي صائباً ، فعندما حان المساء طلبتُ من أمي أن تصعَدَ معي لغرفة أبي كي يكون الكلام أمامها ، وما إن دخلنا حتى قال أبي غاضباً:

-إن كنتما ستتحدثان بنفس الموضوع، اخرجا.

-أبي ، منذُ متى ونحن لا نتناقش ؟ ، دعنا نتحاور في الأمر فإما أن تقنعني أو أقنعك .

صَمَتَ للحظة ثم أشار لنا بالجلوس .

-أبي ، أعرف أنك تحب الزواج على الطريقة التقليدية ، وهو بالفعل سيكون كذلك ، فأمي ستذهب لخطبتها وكأني لم أتحدث معها ، لماذا تريدُ أن تجعلني أندم لأني صارحتك؟! ، فقد كان باستطاعتي أن أقول لك أني أُعْجِبْتُ بها ، وأريد خطبتها ، لكنك علَّمتَني على الصدق ، ولديكَ كل الحرية بأن تسأل عن سمعتها وسمعة أهلها ، ولا تنسى أنَّ لكَ أصدقاء وأقارب في المدينة التي أتت منها ، وبدوري طبعاً إن رأيتُ منها سوءاً فسوف أفسخُ الخطوبة.

عاوَدَ أبي الصمت للحظات ، ثم قال لأمي :

-بما أنكِ توافقيه الرأي ، اذهبي لرؤيتها وكأنَّها لم تتحدث معه، ولا تُخطِئي بكلمة أمامَ أهلها توحي أننا نعرف بالأمر، كي لا نتسبَّبَ لها بمشكلة إن تمَّ النصيب أو لم يتم .

ثم قالَ لي :

-أَخْبرها أن تسأل أهلها عن الوقت الذي يُناسبهم كي تأتي أمك لرؤيتها .

عانَقْتُ أبي بحرارة ، ثم قلت له :

-أدامك الله فوق رؤوسنا.

زغرَدَتْ أمي من شدة الفرح ، فعانقتها وقبَّلتُ جبينها ويديها. فقال أبي :

-أبوكَ تُعانقه فقط ، أما أمك عناق وقبلات .

ثم ضحكنا ، وقبَّلْته كما قبَّلْتُ أمي ، وعاودْتُ تقبيل أمي مرة أخرى ، فضحكت أمي ثم قالت:

-اخرج ودعنا ننام قبل أن يطلب منك أبيك تقبيله مرة أخرى.

حلَّقْتُ لغرفتي فرحاً ، وأنا أتَلَهَّفُ لقدوم صباح الغد كي أخبرها وجهاً لوجه وأرى كيف تبدو ملامحها وهي سعيدة.

….يتبع

قصة واقعية قسمتي ونصيبي الجزء الرابع

كان صباح اليوم التالي متميّزاً ، كوني بدأتُ أسير أول خطواتي نحو تغيير حياتي السابقة المملة الخالية من مشاعر الحب.

عندما رأيتها هرولتُ إليها قائلاً:

-أريدُ أن أراكِ بعدَ انتهاء المحاضرة في المقهى لأمر ضروري.

نظرَتْ لي بعينين خائفتين:

-هل رفضَ والداك؟

مثَّلْتُ الحزنَ عليها وخفضْتُ ناظريَّ أرضاً:

-عندما نلتقي سأخبركِ.

ما إن انتهت المحاضرة ، حتى هرولت قبلي وجلسَتْ تنتظرني ، وأنا أمشي كسلحفاة مبتهجة ، دخلتُ المقهى فرأيتُ عيناها تبحثان عني ، مما جعلني لا أستطيع أن أستمرَّ بالتمثيل أكثر ، فجلستُ وقلتُ على الفور :

-وافقَ والداي ، وما عليكِ سوى أن تسألي والداكِ عن اليوم المناسب لهما ، كي تأتي أمي للتعرّف عليكم.

صفَّقَتْ وصرخَتْ فرحاً ، فاتَّجَهَت كل العيون نحونا بتعجّب ، ولسوء حظي كان زميلي الملّقب بالإذاعة جالساً خلفي وسمع كلامي ، فقال بصوتٍ أسمَعَ كل الجالسين :

-محبوب الفتيات سيتزوج.

مع تصفيق الجميع والتصفير والتهاني ، ذُبنا أنا وهي من الخجل .

اتَّصَلَت بي مساءاً وأخبَرَتْني ، أنَّهم بانتظار أمي بعد يومان. اعتَقَدْتُ أنها في هذان اليومان لن تفارقني ، لكنها ابتَعَدَت عني وكأنَّ لا شيءَ سيحدث بيننا.

عادت أمي من زيارتهم والسعادة تغمرها ، فقد أُعْجِبَتْ بجمالها وأدبها ورقيّ عائلتها فقالت لأبي:

-كما طلبتَ مني ، فقد حدَّدْتُ موعداً بعد ثلاثة أيام ، لنذهبَ لخطبتها رسمياً.

لم أَتَحَمَّل مرور يوم آخر وكأنها غريبة عني مما جعلني أذهب إليها وأقول :

-ألا تعتقدي أنه يجب علينا أن نلتقي ونتحدث كل يوم لنتعرَّف على طباع كلينا .

ارتَبَكَتْ وهي تفرك كفَّيها ببعضهما ، ثم تلعثَمَت وهي تقول :

-بعدَ أن تتمَّ الخطوبة ، سنلتقي ببيت أهلي ، وبالاستراحات فقط، فلا أستطيع أن أتأخرَ عن المنزل إطلاقاً، ولا أريد أن أكون السبب بتراجع تحصيلك العلمي.

انْفَرَجَت أساريري كونها تهتم لأمري ، ما عدا أدبها وخجلها الذي بدا واضحاً من طريقة كلامها .

باليوم الذي كنا سنذهب لتحديد موعد الخطوبة ، أتى أبي بالخبر اليقين ، بأنَّ سمعة عائلتها نقية لا تشوبها شائبة ، وبعد أن رحبّوا بنا أشدَّ ترحيب ووافقوا على طلبنا تمَّ تحديد حفلة الخطوبة بعد إسبوعين.

أقمنا الاحتفال بصالة أعراس ملكية، وكأنه يوم زفافنا ، دعونا كل أقاربنا وهم بالمقابل دعوا أقاربهم ، ولم أنسى كل أصدقائي ومعظم زملاء دفعتي ، لكنها لم تدعو أي زميلة لها ، وحتَّى أنها لم تبتسم بوقتٍ كان به الغرباء يبتهجون لفرحنا ، وعلى الرغم من أنّي كنتُ أُحَلّق فرحاً ، لكن كونها كادت أن توشك على البكاء ، شعرتُ بالأسى والحزن لحالها ، لكني قلت في قرارة نفسي:

-أعتَقدُ أنَّ الأمور كونها سارت بسرعة قصوى ، فهي تشعر بالحزن لذلك ، وتخاف ألا نتَّفق ولا تحبني ، لكن بعد مدة ستكتشف بحسن معاملتي أنها مخطئة ، لدرجة أنها هي التي ستطلب تحديد موعد الزفاف .

لكن طيبة قلبي ونيَّتي الصافية كانتا سبباً في دماري النفسي لاحقاً.

….يتبع

قصة واقعية قسمتي ونصيبي الجزء الأخير

مع الأسف أحببتها ، فقد شعرتُ وكأنها استوطَنَتْ أعماق قلبي ، كنتُ أراها مختلفة عن كل البنات اللواتي رأيتُهُنَّ بحياتي ، واعتَقَدْتُ أنها ستبادلني نفس الشعور بعد أن نلتقي مراراً وتعرفني من الداخل ، لكن مضَتْ بضعة أشهر ، لم أَرَها سوى بزياراتي لمنزلهم ، وبكل مرة تجلس معي كانت مُغَيَّبَة الذهن ، غير أنها تَجَنَّبَتْني كلياً في الجامعة ، واختَلَقَتْ الأعذار التي لم أجد مبرراً لها ، مما جعل اليأس يتسرّب لداخلي رويداً رويداً، فذهبت إليها ذات مرة وقلت:

-هل تَوَدّينَ أن أفسخَ الخطوبة؟!

فردَّت بذعر وتلعثم :

-نعم ! ، لا، لا ، ليس الآن ، أقصد لماذا فلم نتعرَّف على بعضنا بعد .

-وكيفَ سنتعرَّف إن كنتِ تتجنَّبينَ رؤيتي بالجامعة ولا أراكِ بمنزل عائلتك سوى ساعتين .

هدأَت فجأة وردَّت بابتسامة خجولة:

-نحنُ الآن على أبواب الامتحانات ، دعنا ننهيها الآن ، وستنتهي هذه الفجوة بيننا إلى الأبد .

حلَّقَ قلبي بأرجاء صدري فرحاً بما قالته ، وأيقَنْتُ حينها أنها تُبادلني نفس الشعور ، فضاعَفْتُ مجهودي في الدراسة كي لا يُقال بأنَّ درجاتي انخفضت بسببها .

ظهرت النتائج ، وكان معدَّلها جيداً ، أما أنا فكنت الأول كالمعتاد ، وأقمتُ حفلاً بمنزلي دعوت إليه الأصدقاء ، وفي اليوم التالي دعوتها و عائلتها على العشاء ، وقبل أن تنتهي زيارتهم لنا ، قال أبيها :

-ابنكم شاب لا يُعَيَّب ، أدب وأخلاق ، ولن أجد أفضل منه زوجاً لابنتي ، ولكن المعذرة منكم، مع أني أعلم أنَّ ذلك من حق أهل العريس ، لكن أودُّ أن يتمَّ تحديد موعد الزفاف بعد أسبوعين.

كان كلامه كالصاعقة ضرَبَتْ رؤوسنا ، فساد الصمت للحظات ، ثم قال أبي:

-هذا من دواعي سرورنا

تعالت زغاريد أمي ولحقتها أمها ، فنظرتُ إليها وإذا بها خافضة رأسها بحزن كمن تمَّ ضربها وتوبيخها بشدة .

كدتُ أن أُجَنَّ من الحيرة ، فلم أستطع معرفة سبب حزنها ، كونها استمرَّت بوضع مسافة بيننا ، حتى بعدَ أن تبَقَّى أسبوع واحد على حفل الزفاف.

في المساء وقبل موعد الزفاف بيوم ، اتَّصل أبيها بأبي، ففتح أبي مكبر الصوت، فقال أبيها :

-لا نصيبَ لكم عندنا ، وسنرسل كل الذهب والهدايا غداً .

قال أبي بهدوء ما قبل العاصفة:

-ما السبب؟!

-ابنتي لم تُحِبَّ ابنك ولا تريدُ الزواج به ، وبعد أسبوع سنسافر خارج البلاد.

بدأ أبي بالصراخ:

-لعنة الله عليكَ ، وعلى تربيتك القذرة ، ابنتك هي التي طلبَتْ من ابني أن يخطبها ثم غيَّرَتْ رأيها .

أغلق أبيها الهاتف دون أن يردَّ بكلمة ، وأنا مصدوماً لا أستطيع النطق ولا التفكير من صراخ أبي علينا ، ولأول مرة بحياتي بَكَيْت ، صعدتُ إلى غرفتي ، وانهالت دموعي وأنا أقول :

-ماذا فعلتُ لها حتى تقوم بكسري هكذا ، ما هو الخطأ الذي ارتَكَبْتُهُ معها ، لقد أحببتها من كل قلبي وتوَقَّعْتُ أنها ستحبني.

ومن تاريخ هذا اليوم بدأت معاناتي ،وانتهت بنفس تاريخ هذا اليوم.

في صباح اليوم التالي ، أتى رجل تابع لشركة توصيل ، وأعطانا كل الأغراض .

ولأننا لم نستطع الاتصال بكل الأشخاص الذين دعوناهم لكي نخبرهم بإلغاء الزفاف ، زارنا الذين عرفوا عن طريق صالة الأفراح ، كي يسألوا عن السبب ، ولأني لم أستطع أن أخبر زملائي ، جمعوا بعضهم كوفد ، وأتوا لزيارتي.

حاولتُ تمالك نفسي كيلا يظهر الحزن على وجهي ، لكن عندما تهامسوا عليَّ ، سقطت دمعتي عنوة عني ، وصعدتُ إلى غرفتي .

لم أستطع حتى أن أتصل وأسألها لماذا كل هذا الغدر، ألهذه الدرجة لم تستطع أن تتقَبَّلني حتى فضَّلَتْ السفر مع أهلها على الزواج بي ؟! ، ألهذا الحد أنا لا أُطاق.

بدأتُ بالذهاب لعملي في التدريس بالجامعة ، فشعرتُ وكأنَّ زملائي قد نقلوا لطلاب السنوات الأولى خبر انفصال خطيبتي عني ، فرأيتُهم جميعاً كلما يروني ينظرون لي بشفقة ويتهامسون :

-كم هو مسكين ، لقد انفصلَتْ عنه قبل الزفاف بيوم ، لكن يا هل ترى هل اكتشفَت أنَّ به سوء خلق لا يُطاق؟

لم يكن ينقصني سوى السمعة السيئة ، التي ترسَّخَت حتى بين أقاربنا ، فسمعتُ أمي تقول لأبي بأنَّ كل من زارنا قال لها:

-هل حاول ابنكِ التقرّب منها بطريقة لا أخلاقية ، جعلها تنفصل عنه بهذا التوقيت ؟!

مرَّت سنة على ذلك اليوم الأليم ، وأنا كجثة متحركة من الجامعة إلى المنزل ، لا أقابل أحداً ولا أخرج سوى مع نفسي، لحين أتاني اتصال من رقم مجهول بنفس تاريخ انفصالها عني ، أجَبْتُ باعتقادي أنه صديقٌ لي ، لكن عندما سمعتُ صوتها ، لم أستطع النطق بكلمة وهي تقول :

-سامحني ، أنت إنسان لا مثيل لكَ ، وحينها لو لم أكن أحب الشاب الذي حدَّثْتُكَ عنه ، لكنتُ أحبَبْتُك ، لكنك كنتَ الحل الوحيد لآخذ حصتي من أملاك أبي ، وأهرب معه وأتزوَّجه ، وبعدَ أن تحدَّدَ موعد الزفاف، أعطاني أبي كل حصَّتي كما وعدني ، فقد كان شرطه الوحيد هو زواجي .

لم أجد من نفسي سوى أنني ضَحِكْتُ ضحكة هستيرية وقلت لها:

-ولماذا تُخبريني الآن بهذا الكلام ؟!

أجهَشَت بالبكاء وهي تقول :

بعد أن تزوجت مِنَ الذي كنت أعتقده حبيبي ، نصبَ عليَّ ثم طلَّقني بعد أن قال :

-إنَّ التي تخون أهلها ، سيأتي يوم وتخونني به وقبل أن تفعلي ذلك ،أنتِ طالق .

ثم عرفتُ أنَّ أهلي سافروا خارج البلاد بعد هروبي بأسبوع، ولأني لا أملك شيئاً سوى شهادتي ، استَطَعْتُ أن أعمل بها ، وأستأجر غرفة عند امرأة عجوز ،ولقد اتصلتُ بكَ لأني على يقين بأنَّ الذي مررتُ به كان عقاباً لي عما فعلته معك ، فأرجوكَ سامحني ، ولو كان هناك أمل من عودتي إليك ، لم أكن لأُضيعه مني ، فبكل الشهور التي قضيتها معك كنتُ أموت حزناً بسبب الذي سأفعله بكَ وأنت لا تستحق .

أغلَقْتُ الاتصال بوجهها ، بعدَ أن شفاني كلامها من كل أوجاعي ، وندمتُ على الليالي التي قضَيْتها حزيناً بسببها ، فهي لم تكن تستحق أنْ تأخذَ ثانية من تفكيري ، وأدرَكْتُ أنَّ انفصالها عني كانَ به كل الخير لي، وحمدتُ الله كيف كشَفَت نفسها أمامي ، وكم كنتُ محظوظاً لإنتهاء علاقتي بها.

لم تمضي بضعة أشهر حتى خطَبْتُ زميلة لي بعد أنْ أخبرني صديقي الذي لم يُفارقه لقب الإذاعة ،بأنّ زميلتنا رفضت الارتباط بأي شاب تقدّم لها حتى بعد أن يَئِسَت مني .

لم أصدق كلامه إلا بعد أن تزوجتُها وأخبرَتْني أنَّ أغلب بنات دفعتنا كُنَّ معجبات بي .

لا أعلم لماذا لم أكن أصدق كلام أصدقائي بأني شاب محبوب وأعتبرُ كلامهم نوعٌ من السخرية أو المجاملة.

وبسبب سنوات التفاهم والانسجام التي عشتها مع زوجتي ، أدرَكْتُ أنَّ قسمتي ونصيبي من الحب ساقه القدر لأعيشه بعدَ تلك التجربة المؤلمة في الوقت المناسب ومع المرأةالمناسبة .

انتهت القصة.