قصة من قبل أن أعرف مَن سيكون زوجي كرهته أجبرني والدي على ترك الدراسة بعد أنْ وصلتُ لسن السابعة عشر ، حتى مع رجائي له أن يسمح لي بالاستمرار كي آخذ الشهادة الثانوية ،
وأتخرَّج من الجامعة لأحصل على شهادة تُعينني على غدر الزمان ، لكنه رفض قائلاً:
– في نهاية المطاف ستتزوجين رجلاً إما أن يشترط عليكِ ترك العمل، أو يسمح لكِ بالعمل شرط أنْ تساعديه بمصاريف المنزل ومع مرور الوقت يتَّكل عليكِ بشكل كليّ ، وبينما يضيع شبابكِ وجمالكِ بين العمل والأولاد ، تجديه قد قام بادّخار نقود على مر السنوات وتزوَّج فتاةً تصغركِ سناً لا تعمل شيئاً سوى الاهتمام به والعمل على راحته وكسب رضاه ، وبالمقابل سيحبها ويرعاها ويهملكِ أنتِ وأولاده ، هذا إنْ لم يطلقكِ ويترك لكِ رعاية الأولاد كي يعيش مع زوجته دون نكد ، وتأكدي مهما كان صالحاً فلن يشعر بالذنب كونكِ تعملين وبإستطاعتكِ أن تصرفي على المنزل .
حينها حاولتُ أن أشرح له أنَّ الحياة الزوجية تشاركيّة ، وأنّي سأتزوج رجلاً يكون رفيق دربي ، ويمسك بيدي لمواجهة صعاب الحياة ، وليسَ رجلاً مضطهداً لا يخاف الله بي .
لكنه سخر من كلامي قائلاً :
-يا لتفاهتكِ يا ابنتي ! ، فأنتِ لا تزالين صغيرة ولا تعرفينَ ما يدور بعقول الرجال في هذه الأيام ، ثمَّ ما يدريكِ أن يُظهِرَ لكِ كل المودة والاحترام والتقدير ، ويشعركِ بكلامه أنكِ ستعيشين معه حياةً هنيئة ، وما إنْ تصبحين زوجته ثم تنجبين منه حتى يُظهِرَ لك وجهه الثاني الذي أسلفتُ ذكره ؟!.
فقلتُ :
-ولماذا لا تفرض أني لو تزوجتُ بدون أن آخذ شهادةً جامعية ،بأنه قد يأتيني زوجٌ ظالم يُعَنّفني ليلاً ونهاراً ويحرمني من الطعام والشراب ، كونه لا ملجأ لي سواه ولا معيل لي غيره ، فردّ :
-إنَّ الرجل الذي يفعل ذلك إما أنْ يكون من الرجال الذين يتعاطون المخدرات والكحول، أو من الرجال المهووسين بالمقامرة وشرطَ أن يكون دخله الشهري قليل ، وأنا لن أُزوّجكِ إلا من رجل مستواه المادي أعلى من المتوسط ، وليس به أيٌّ من تلك الصفات اللعينة.
فصمتت لبرهة وقلت له :
– افرضْ أنه لم يأتِ رجل لخطبتي إطلاقاً وأصبحتُ من الفتيات اللواتي يُلَقَّبنَ بالعوانس ، فردَّ بضيق :
-إنَّ العوانس هنَّ اللواتي يتخرَّجْنَ من الجامعة ويعمَلْنْ ، ولأني والدكِ فأنا أدرى بمصلحتكِ منكِ وانتهى النقاش.
أيقنتُ حينها أنَّ الأفكار التي برأس أبي لن تتغيّر مهما قلت له؛ فرضَخْتُ لأمره وتركت الدراسة وقلبي يتمزّق ألماً.
مع مرور الأشهر ، شعرت أني فقدت الأمان الذي عشته بقرب والدي منذ طفولتي ، فكلما كنتُ أنظر من النافذة وأرى الفتيات اللواتي بعمري ويكبرنَني سناً ، كيف سمح آباؤهنَّ بأن يذهبنَ للمدرسة والجامعة ، أتذكر كلام أبي، إلى أنْ شعرتُ أنَّ حبي له قد انعدم ، ووجدت نفسي مع مرور الوقت أبغضُ كل الرجال ، وحتى من قبل أن أعرف من سيكون زوجي كَرهْتُه.
يتبع
قصة من قبل أن أعرف من سيكون زوجي كرهته الجزء الثاني
بعد أن أتممت الثامنة عشر ببضعة أيام ، عاد والدي إلى المنزل ومن فرط السعادة كان كلامه يخرج وكأنه يضحك عندما قال لأمي :
-بشرى سارة يا زوجتي الغالية ، لقد تقدَّم صاحب المتجر الفخم أسفل منزلنا بطلب يد ابنتنا، وحدَّدْت مساء الغد موعداً لقدومه ، عليكِ تجهيزها لتقابله بأرقى إطلالة ، فأنا شخصياً معجبٌ بهذا الرجل وأرجو أن يكون زوج ابنتنا.
أخبرتني أمي بما قاله أبي ، فشعرتُ بضيق لا مثيل له ، كوني أدخل إلى المتجر على الدوام وأشتري منه كل الحلويات والموالح التي أحبها وبكل مرة كنت أراه كان يبتسم لي لكني كنت أشعر بالغثيان من رؤية تلك الابتسامة ، فلم أتقبَّل شكله على الإطلاق ، فطالما كنت من الفتيات اللواتي لا يهمهن شيء بالرجل إلا وسامته.
أتى لمنزلنا في الموعد المحدد برفقة والديه وما إن جلس حتى قال لأبي :
-لقد أتيتُ مع والداي بشكل مباشر لأننا نعرف أخلاق عائلتكم الحميدة ، وأرجو أن يتم قبول طلبي للزواج من ابنتكم .
فقال والدي بابتسامة عريضة:
-بالطبع موافقون ، فلن أجد لابنتي رجلاً أخلاقه وصفاته مثلك.
قدَّمْت القهوة والضيّق يتملك قلبي، فطلب أبي مني الجلوس وقال :
-هذا نزار الذي كلما دخلنا لشراء حاجيات المنزل وأنتِ صغيرة ، كان يعطيكِ قطعاً من الحلوى .
رفعت رأسي نحوه ، وفجأة خطر لي سؤال، فقلت له بدون أن أعي ولا حتى أشعر بالخجل :
-عندما كنت صغيرة كنت أناديك يا عمي ، فكم عمرك الآن ؟
ابتسم قائلاً:
-ثلاثٌ وثلاثون سنة أي أكبُرُكِ بخمسة عشر سنة لا أكثر ، وليس بالفارق الكبير على ما أعتقد .
فقال له والدي بابتسامة عريضة:
-بالطبع فارقاً لا داعي لأن يُذكر حتى .
استأذنتهم وذهبت لغرفتي وقلبي يؤلمني من الضيق والحزن ، وبعد ساعة ونصف دخل والدي قائلاً:
-يا ابنتي إنَّ هذا الرجل سمعته أعطر من المسك ، واتفقت معه على أنَّ الخطوبة في آخرهذا الأسبوع والزواج بعد شهر فلا داعي للمماطلة كونَ قدرته المادية ممتازة ، غير أنَّ مستواه التعليمي مثلك بالضبط ، وسكنك بمنزل عائلته مع والديه وأخته التي تصغركِ بسنة .
اومأت رأسي بالموافقة وأنا أقول في قرارة نفسي:
-وهل إن صدر قرار بإعدام السجين يحق له الاعتراض؟!.
تمت الخطوبة وملامح وجهي كانت كمن تُساق لزّجها بالسجن.
تأمَّلت أن أتقبله بالشهر الذي يسبق الزفاف ، لكن على الرغم من كرمه وذوقه الراقي بالهدايا التي أحضرها ، لم أستطع ذلك.
قبل زفافي بيوم سمعت أبي يقول لأمي:
-أخبري ابنتك بأننا نريد حفيداً في السنة القادمة لا أكثر.
حينها انهالت دموعي بصمت وازداد نفوري من والدي ، وكرهي للعريس الذي يحبه .
تم زفافي بأرقى صالة في المدينة ، وصحوت في اليوم التالي وأنا أسترجع ما حدث في الأمس كأنه كابوس ، فدخلت إلى الحمام وفتحت الصنبور كي يغطي صوت الماء على صوت بكائي ، فاستيقظ من نومه وطرق الباب قائلاً :
-حبيبتي ، لا تتأخري عشر دقائق وستجدين الفطور جاهزاً .
غسلت وجهي وغيَّرت ملابسي ثم جلست على الكرسي ربع ساعة أتأمل الجدران ، وأنا أقول في قرارة نفسي :
-يا إلهي أنا أكرهه ، كيف سأحيا معه باقي حياتي ؟!
خرجتُ ورأيت الطاولة بها ما لذَّ وطاب من الطعام ، فجلست بدون أن أنظر لوجهه وأنا أقول شكراً ، فقال لي :
-لا داعي للشكر يا زوجتي الغالية وأم أطفالي.
حينها نظرت له وأنا عاقدة الحاجبين وقلت محتدَّة:
-لا أريد أطفال، لا أريد ، لست مستعدة نفسياً ولا أعتقد أني سأستعد .
فقال لي :
-أهدئي عزيزتي ، من الجيد أنكِ قلتي هذا الكلام الآن ، سنؤجل موضوع الأولاد لحين استعدادكِ النفسي ولو استغرق الأمر سنوات .
حينها قلت في قرارة نفسي :
-لا أستطيع تصديقك ، ويجب أن أتصرَّف بأسرع وقت لأمنع حدوث الحمل .
…. يتبع
قصة من قبل أن أعرف من سيكون زوجي كرهته الجزء الثالث
أخَذَني على مدار الأسبوع لشتَّى الأماكن من متاحف وملاهي ومطاعم ومنتزهات ، وبكل مكان كنا نذهب إليه كان يأخذني بجولة سريعة لأقرب سوق ويشتري لي أول شيء يصادفنا من ملابس أو أحذية أو حقائب أو مستحضرات تجميل، على الرغم من أني أقول له بأني لست محتاجة لأي شيء لكنه كان يقول :
-إن لم تحتاجبيه الآن ، فستحتاجيه لاحقاً.
لم أتأثر بأي شيء قام به ، فقد كان جل اهتمامي كيف سأدخل وحدي للصيدلية لكي أشتري حبوب منع الحمل، إلى أن اتَّصَلَتْ أمه وأخبرته بقدومهم بعد ساعتين ، فقلت له :
-قبل أن يعودوا أريد أن أنزل إلى الصيدلية التي بجانب المنزل لأشتري حاجيات نسائية ، وأعود سريعاً لاستقبالهم .
فقال :
-قولي لي ما تريدين وأنا سأحضره لكِ.
حينها قلت محتدة :
-أريد أن أتحدث مع الصيدلانية وجهاً لوجه وأشرح لها ما أريد ، لماذا تصر أن ترافقني كظلي ، دع لي مساحة شخصية ولا تخنقني .
حينها قال بارتباك :
-أعتذر عزيزتي ، كان قصدي أن لا أتعبكِ .
وأعطاني رزمة صغيرة من النقود وقال لي :
-اشتري ما تريديه من الصيدلية ثم اشتري أي شيء تشتهينه، لكن لا تتأخري كي لا أقلق عليكِ.
هرولت إلى الصيدلية ، وبرغم تحذيرات الصيدلانية أنَّ حبوب منع الحمل ربما تقلل فرص إنجابي لاحقاً كوني لم أنجب إطلاقاً لكني أصرَّيت على شرائها وأنا أقول في قرارة نفسي :
-أرجو أن أصبح عاقراً ، إن كان ابني من الرجل الذي أكرهه، لعله يطلقني وتسنح لي الفرصة أن أتزوج رجلاً وسيماً أعشقه فقط من النظر لوجهه.
أخذت الدواء ثم اشتريت مشروبات غازية وحلويات وموالح وفواكه بكميات تكفينا أسبوعين وأكثر ، وأنا أرجو أن يغضب كي أتهمه بالبخل وأفتعل معه مشكلة تمنعه من الاقتراب مني شهراً وأكثر ، وعندما صعدت المنزل ورأى ما أحضرت ، ضحك وقال لي:
-هل أعلنوا في التلفاز أن كل ما أحضريتيه سينفد من الأسواق؟!
فرمقته قائلة :
-هذا لأجل قدوم عائلتك .
فابتسم وقال :
-أشكركِ أنكِ فكّرتي بهم .
حينها شعرت بالضيق من بروده ، وعندما عاد والديه وأخته قلت في قرارة نفسي :
– وأخيراً سأرى أشخاصاً غير المدعو زوجي .
مرَّت بضعة أيام عشت بها بهدوء تام وسلام نفسي ، إلى أتت أخته وقالت :
-أريد التسجيلَ بأرقى معهد لطّلاب الثانوية العامة ، كي أستطيع الدخول لكلية الطب .
كانت جملتها كالصفعة على وجهي ، فمنعت نفسي من البكاء بشقِّ الأنفس ، وأمضيتُ أشهراً وأنا جسد بلا روح ؛ فكلما طلب مني الذهاب برفقته لأيّ مكان ، أرفض بحجة لا طاقة لي للحراك ، فقد كان منظر أخته وهي عائدة من المدرسة والمعهد ، يمزق قلبي ويجعلني أنعزل بغرفتي بضعة ساعات ، وألعن حظي وأحسدها وأنا أقول :
-يا ليتني كنت مكانها ، لماذا قدري بأن أكون زوجة بينما كان حلمي أن أكون طالبة ؟! .
زادَت أسابيعاً على تلك الأشهر ، لم أرَ الشارع فيها إلا لشراء حاجيات المنزل الطارئة بحال غيابه وغياب أبيه ، أو لمرافقة أمه لزيارة أقاربهم ، أو للذهاب معه لمنزل والداي ، وبذلك كنت قد أمضيت ما يقارب السنة من زواجي لم أستطع أن أبتسم ولا لمرة واحدة .
إلى أن أنهت أخته امتحانات السنة النهائية ، مما جعل صدور نتائجها بالنجاح الباهر ودخولها كلية الطب ، يصيبني بنوبة بكاء هستيرية لساعة كاملة ، ولأنَّ صوت بكائي كان كمن تصرخ وكأنها تُضرَب؛ اتصلت حماتي بزوجي وسمعت كلامها وهي تقول :
-نزار ، زوجتك منذ ساعة كاملة لم تتوقف عن البكاء والصراخ ، وأنا وأختك لا نجرؤ على الدخول إليها ، أرجوك تعالَ على الفور وافهم منها ما سبب بكاءها.
…يتبع
قصة من قبل أن أعرف من سيكون زوجي كرهته الجزء الأخير
لم تمضِ ربع ساعة حتى سمعت طرق الباب ، فهرول نزار لغرفتنا مذعوراً وهو ينادي حبيبتي ، حاولت أن أتوقف عن البكاء بشق الأنفس ثم قلت له :
-لم يكن هناك داعٍ لقدومك ، كنت أشعر بالحزن والطريقة الوحيدة لأن أرتاح هي أن أبكي .
اتّسعت حدقتا عينيه من الدهشة وهو يقول :
-ياعمري ، الطريقة الوحيدة لترتاحي هي أن تخبريني بسبب حزنك لنجد الحل معاً .
رمقته قائلة :
-لم يعد هناك حلول .
-أنتِ أخبريني بسبب حزنك ودعيني أفكر ، ربما هناك حل ما غائب عن ذهنك.
فأخبرته بالتفصيل بدءاً من إجبار والدي لي على ترك الدراسة ، انتهاءاً برؤية أخته عائدة من المدرسة والمعهد ، وأنَّ ذلك كان كافياً بتذكيري بألمي وحبي للدراسة التي حُرمت منها عنوة عني .
فعانقني قائلاً :
-يا نبض قلبي ، عانيتِ كل تلك الأشهر لوحدك بدون أن تشاركي همومك لأحد ولا حتى أنا ، الحل موجود يا عزيزتي؛ بعد بضعة أشهر سيتم فتح باب التقديم لطلاب الشهادة الثانوية الذين ليسوا بالمدارس ، وسنذهب سوياً لكي نقدم لكِ ثم أقوم بتسجيلك بذات المعهد الذي درست به أختي ، ولأنَّ ثانويتك أدبية فأرجو أن تدخلي كلية الحقوق ، فطالما رجوت أن أكون محامي في طفولتي ، لكني كنت كسولاً جداً وأكره الدراسة، وعندما نجحت في الثانوية بمعدّل لم يسمح لي بالدخول لأي كلية أو حتى معهد متوسط ، قررت أن أتجه للعمل مع أبي .
كادت أن تتمزق جفوني من صدمة ما قال ، فقلت له:
-هل تمزح أم تقول ذلك لي من باب المواساة لا أكثر؟! .
ابتسم قائلاً:
-بالطبع أنا جاد ، وعند التقديم سترين ذلك .
عانقته بشدة ودموع الفرح تنهمر على وجنتاي وأنا أتشكره ، وفجأة تذكرت أبي فقلت له :
-ربما يرفض أبي أن أقدم الثانوية
فابتسم وعانق كلتا يداي بيديه، قائلاً :
-لا أحد لديه الحق بمنعك عن الدراسة ولا حتى والدك ، طالما أنّي بجانبك.
حينها شعرت بالأمان الذي افتقدته بقرب والدي .
انتظرت مرور الأشهر بفارغ الصبر ، إلى أن فُتِح باب التقديم فقال لي:
-حبيبتي غداً في الصباح الباكر سنذهب لتسجيلك .
حلَّق قلبي فرحاً ، وبعد أن انتهينا من التسجيل قلت له مازحة :
-هل لك أن تصفعني ، لأتأكد أني لا أحلم .
فضحك قائلاً:
-بعد أن نتناول الغداء في المطعم ونعود إلى المنزل ستعرفين أنك في الواقع .
ابتسمت وأنا أتسائل في نفسي عن قصده ، وما إن دخلنا حتى رأيت والديه وأخته ووالدي بانتظارنا ، فانقبض قلبي خوفاً من أنَّ هناك شجاراً سيحصل بسبب دراستي ، لكن تقدم أبي وقبّل رأسي قائلاً:
-أتمنى لكِ التوفيق والنجاح، أرأيتِ أني أدرى بمصلحتكِ عندما زوّجتك الرجل المناسب.
ثم صفقوا جميعهم ، فعانقتهم واحداً تلو الآخر ، وما إن جلسنا حتى أحضرت أخت زوجي الموالح والحلويات والمشروبات الغازية قائلة :
-بدون أن تتحدثي عرفنا أنّ هذه الأنواع مفضلة لديك ، وأمي طبخت لك كل المأكولات التي تحبيها .
حينها شعرت بالمودة إلى جانب الأمان ، فنظرت إلى وجه زوجي وقلت في قرارة نفسي:
-أشعر أني أراكَ أوسم رجال الأرض.
لم تفارق الابتسامة وجهي طوال أشهر دراستي ، غير أنّ أم زوجي لم تكلّفني بالأعمال المنزلية الكثيرة كما تفعل أمهات الأزواج ، فقد كانت حنونة كأمي ، وفجأة بدون أن أعي ناديتها بأمي ، فعانقتني بحرارة ثم قالت :
-لطالما انتظرت أن تقوليها طواعيةً من قلبك .
ظهرت نتائج نجاحي ، ودخولي كلية الحقوق ، فأقام نزار احتفالاً كبيراً دعا إليه كل الأقارب ،وباليوم الذي رافقني به للتسجيل بالكلية قلت له:
-من قبل أن أعرف من سيكون زوجتي كرهته ، وبعد أن عرفته أحببته من صميم قلبي .
فعانقني قائلاً :
-أما أنا فأحببتك من الليلة التي أصبحتِ بها زوجتي .
نجحت بتفوق سنة تلو أخرى إلى أن تخرجت بمعدل ممتاز ، فقلت في قرارة نفسي :
-يجب أن أوقف حبوب منع الحمل ، فحان الوقت لأُفرِح قلبه وقلوب عائلته بمولود .
ذهبت إلى الطبيبة النسائية فقالت لي :
-استمريتي سنوات على هذه الحبوب التي تضمن العقم بنسبة مئة بالمئة .
كادت أن تنهمر دموعي وأنا أقول :
-لكني كنت مضطرة أن آخذها كيلا تتأثر دراستي .
-عزيزتي ، أحياناً عليكِ أن تدفعي ثمناً باهظاً للحصول على شيء ترغبيه بشدة ، وفي حالتك كان الثمن أمومتك.
خرجت من العيادة وانا أبكي طوال الطريق ، فذهبت إلى متجر نزار، وما إن رآني حتى قال بذعر وهو يمسح دموعي:
-هدّئي من روعك وأخبريني ما حدث .
فأخبرته بأني أخذت حبوب منع الحمل على الرغم من تحذيرات الصيدلانية ، ثم أخبرته بكلام الطبيبة النسائية وقلت:
-أرجوك لا تنفصل عني ، فلا أقدر على العيش بدونك .
حينها انهمرت دموعه وقال :
-سنذهب لكل أطباء المدينة لعلنا نجد العلاج عند أحدهم، وبعد سنوات من زيارة الأطباء ، يئست من الحمل فقلت له:
-لست مجبراً أن تحيا معي وأنا لا أنجب ، ليس ذنبك أن تُحرم من الأبوّة طيلة حياتك وأنا السبب ، طلقني وليعينني الله على الحياة من بعدك .
فقال لي بابتسامة مكسورة :
-حتى لو كنتِ السبب بحرماني من الأولاد لكني لن أستطيع التخلي عنكِ فأنتِ روحي ولا يستطيع أحد العيش بدون روحه.
أمضيت حياتي معه ومع عائلته بحب ومودة ، فلم يجرحني أحد منهم بالكلام ، لكن عيونهم التي كانت تشع حباً وحنان عندما يرونَ أولاد أخته ، كانت كفيلة بجعلي أعاني من الذنب وتأنيب الضمير طيلة حياتي ،غير رغبة الأمومة التي اجتاحت كياني منذ أن أحببته لكني حاولت كبحها بشق الأنفس .
حينها أيقنت أنَّ الحياة لا بدَّ أن تهبنا شيء وتأخذ منا شيئاً آخر ، وأنَّ لا مخلوق على وجه الأرض يشعر بالراحة في حياته .
انتهت