قصة رائعة التميمة هناك رجل يمر من أمامي يتدثر بمعطفة

التميمة هناك رجل يمر من أمامي يتدثر بمعطفة الداكن..ويعتمر قلنسوته البنية ويصنع من الكوفية نقاب يختبئ به، وجهه فلا يظهر منه سوى أنفه.فكانت ليلة بردها شديد قارص ثم أختفي عن ناظري

فركت يدي من البرد وأحكمت قبضتي على قفاز كنت قد ابتعته منذ زمن، ويبدو إنه قد أصبح مقاسه أقل من قبضة يدي.

ولكني وجدت المعطف يسير من خلفي.

نعم المعطف فقط دون الرجل الذي كان بداخله منذ قليل.. تُرى ماذا حدث؟ وأين اختفى الرجل؟ بل وأين قدماي أنا؟ فقد أطلقت لهما العِنان من هول ما رأيت.رباه ما هذا؟ معطف يسير بغير جثة؟ أو إن شئت قل إن الجثة تجري خلفي الأن دون المعطف.

ولم أدري بقدماي إلا وأنا أصعد درجات السُلم بغير هواده وبغير أن ألتفت ولو مرة خلفي، نفذت من باب حجرتي في الدور الأخير.. نعم كما قرأتها نفذت من باب الحجرة كما ينفذ أي عملاق ضخم الجثة داخل حائط، نفذت تاركاََ خلفي الباب محطماََ.

على الرغْم أن حجمي ليس بالكبير وجسمي ضعيف ولكنه الأدرينالين الذي كان يجوب أرجاء جسدي الخائف..أغلقت النافذة التي أمامي بإحكام حتى لا تمر الجثة ذات المعطف من خلالها، ثم ضحكت بصوت مكتوم لأن الباب مفتوح على مصراعيه لدخول الجثة.

ارتميت على السرير وبدون أن أبدل ملابسي ثم دخلت في سبات عميق كأنني لم أنم منذ أمد بعيد.

صحوت في الصباح الباكر على صوت هاتفي المحمول ينذر بموعد العمل.نسيت الليلة الماضية برمتها ولم أذكرها تماماََ وكأنه كان كابوس، لكن كانت رأسي تؤلمني قليلاََ.وعندما انتهيت من دخولي الحمام وإعداد الإفطار ..توجهت إلى خِزانة ملابسي لاختار قميص أرتديه فأنا اليوم على موعد مع السعادة، مع زوجتي المستقبلية.توقعت طبعاََ كما توقعتم أنتم الأن أن أفتح خِزانة ملابسي أجد فيها المعطف معلق بداخلها أو أجد الجثة ترتدي المعطف.. لكن لا شيء من ذلك حدث.. فأنت قارئ خيالك واسع يا صديقي

لكني فتحت خِزانة الملابس وأزحت ملابسي ثم انتقيت من بينهم قميصي الجديد،، ومرت الساعة بسلام ونسيت موضوع المعطف تماماََ

دَلفت إلى سيارتي وعندما أدرت المحرك لم تتحرك، ولم أسمع صوت المحرك يعمل..فتحت غِطاء السيارة من الأمام ورميت المعطف الذي كنت أرتديه في مَقْعَد السيارة الخلفي خوفاََ عليه من أن يتسخ عند شروعي في الإصلاحات وشمرت عن ساعدي

ثم شرعت في فك طلاسم المحرك الذي دبت فيه الروح قبل أن المسه، ودار محرك السيارة، لم أعر الأمر اهتمام ولا سألت كيف أفاقت السيارة من غيبوبتها من شدة الفرحة،ثم توقفت أسفل الشركة ومددت يدي في الكرسي الخلفي فلم أجد المعطف ولكني وجدت مكانه سوار معدني يشبه إلى حد ما السوار الذي يعالج أمراض الروماتيزم،، وضعته في يدي وكان في نفس مقاس يدي تماماََ وشعرت فعلاََ بارتياح في الفقرات القطنية التي كانت تتعبني في أثناء القيادة.

توجهت إلى باب الشركة مسرعاََ لأنني تأخرت حوالي ربع الساعة بسبب عطل السيارة..ولكني لاحظت أن خطوتي أصبحت رشيقة على غير عادتي.وفهمي للأشياء مختلف، ونظرات إعجاب من حولي لا يخطأها أحد..باختصار كأني شخص جديد

.يتبع

التميمة الجزء الثاني والأخير

ثم استقبلتني السكرتيرة بهذا الخبر

قالت لي إن الحاج عطوة المشالي يجلس منذ الصباح في مكتبي وكان الحاج عطوة هو مقاول يعمل لدى شركتنا وكان يدين للشركة بمبلغ كبير وقد جاء ليسدد المبلغ.. دلفت إلى مكتبي بسرعة وجدت الرجل قد تبدل حاله، ويخرج الورع من وجهه الذي أصبح يعلوه التوبة والصلاح..دفع المبلغ نقدياََ وخرج وهو يتمتم بكلمات لا أفهمها، لكني أعتقد إنها كلمات عن التوبة

وفي نفس الوقت تسلمت السكرتيرة البريد الإلكتروني الخاص مناقصة كان لا أمل منها أبداََ،، لكن العطاء قد رسي على شركتنا لانشغال الشركة المنافسة في مناقصة أخرى فتركتها لنا

أما الخبر الأكثر جمالاََ عندما اتصلت بي روميساء وقد قالت لي أن والدها وافق أخيراً على خطوبتنا..نظرت مطولاََ إلى التميمة حول معصمي وقد أيقنت إنها هي السبب في كل ما يحدث من الحظ الذي أنا فيه، لقد تفتحت كل الأمور وكل الطرق المغلقة فجأة من بعد أن حصلت عليها من المعطف

ولكني كنت غير متيقِّن من ذلك الظنون وعلى الفور ذهبت إلى الدكتور عبد العليم حجازى زوج خالة ابنة عمي من بعيد ولكنه عندما علم بقصة السوار هذه بدأ يتهكم علي ويصفني بالجهل ولأنه كانت الدكتوراه التي يملكها في هذا الإطار لما تحملت منه كل هذه الإهانات

فقال هل تعلم أن الدكتوراه التي معي عن الشعوب المتخلفة الذين يعتقدون في هذه الأمور البدائية والسحر والشعوذة وأثبت بما لايدع من الشك إن كل هذه الأشياء خرافات ونهرني بشدة.

لكنه في نفس الوقت طلب مني ترك التميمة لعمل بعض البحوث والفحوصات عليها..ولما رفضت قال لي مضطراََ إنه سيحضر مؤتمر غداََ ويريد أن يكون هو رئيس المؤتمر.. فنظرت إليه غير مصدق ولكنه ضحك وقال ليس ما في رأسك.،أنا سأخدها لأثبت لك إنها ليس لها قيمة وكل ما في رأسك هو الأوهام ليس إلا.. وافقت بفكرته على مضض ولكنه وعدني أن أخذها منه بعد المؤتمر مباشرةً.

تركت الدكتور عبد العليم وهو يقلب في التميمة يميناََ ويساراََ بفرح غريب ثم وضعها في كفه وأطبق عليها.. خرجت من مكتبه وأنا هائم على وجهي.. وكأني طفلاََ صغير ترك يد أمه في أول يوم من المدرسة.

وبمجرد ما خرجت إلى الشارع بعيداََ عن مكتب الدكتور عبد العليم رن هاتفي المحمول وتشير شاشته إلى رَقَم روميساء اهتز الهاتف في يدي وترددت كثيراََ قبل أن أجيب عليها لأنني كنت متوقع تأجيل الخطوبة أو ألإلغاء تماماََ فأثرت السلامَ ولم أجب على الهاتف ولكن سرعان ما أرسلت روميساء رسالة نصية مفادها أن والدتها شعرت بتعب بسيط ونقلت على إثرها إلى المشفى..وتم فعلًا تأجيل الخطوبة وأسرعت الخُطا إلى زيارة والدتها.

وعند عودتي إلى شقتي في المساء شعرت بحركة غريبة داخل الشَّقَّة عندما حاولت إضاءة المصباح فلم يضئ وحاولت مراراََ وتكرار دون جدوى..ولكني أشعر بالأنفاس في شقتي في مكان ما ،وخيالات تتحرك أمامي وتصدر أصواتاََ ثم تختفي مرة أخرى وعلى ضوء هاتفي المحمول ذهبت إلى أزرار الإضاءة وعندما وضعت يدي على الزر وجدت يداََ أخرى توضع فوق كفى فسقطت مغشياََ عليّ.. عندما أفقت وجدت الدكتور عبد العليم يجلس بجانبي على السرير ويحاول إفاقتي

وهو غارق في الضحك وعلمت منه بعد ذلك إنه هو نفسه الشبح ولامني وقال إن قلبي خفيف،، وسألته إن كان قد ترأس على المؤتمر كما قال أم لأ، وسألته أيضاََ كيف تسلل إلى شقتي وهو ليس لديه مفتاح الشَّقَّة.. ضحك كثيراََ وقال أما عن دخولي الشَّقَّة فشقتك ليس لها باب أساساََ يبدو أن أحداََ قد حطمه تماماََ لأنه مكسور.. وأما عن رئاسة المؤتمر الحقيقة، لا!!

أخذت نفساََ عميقاََ واعتلاني حزناََ شديد، قلت له اذن فالتميمة ليس له جدوى أليس كذلك؟

ولكنه بروحه المرحة قال أنا فعلاََ لم أصبح رئيس المؤتمر ولكن قد تم تعيني وزيراََ للثقافة..ألم تقل لي مبروك؟ ! وأريد أن اقول لك إنه ليس بفضل التميمة كما تظن فأنا عملت طوال حياتي من أجل هذه اللحظة.. وتركني في حيرتي وخرج مسرعاََ من باب الشَّقَّة..

يقول إنه عمل طوال عمره لهذه اللحظة وفجأة تذكرت أن التميمة ما زالت معه نزلت مسرعاََ درجات السُلم وسابقت المصعد وعندما هبط المصعد للدور الأرضي وجدني أمامه وقد مددت يدي إليه ففهم ما أقصده فوضع التميمة في يدي على مضض وكانت عيناه تفيض من الدمع..وقال في توسل هلا تركتها ثلاثة أيام أخرى؟ .. فقلت له ألم تعمل طوال حياتك لهذه اللحظة؟ .. ابتسم ابتسامة المهزوم وقال كل ما في رأسك مجرد خرافات وتركني ومشى..خرافات.. خرافات!!

توجهت في الصباح إلى المشفى لزيارة أم روميساء ولكني لم أجدها فقد تحسنت حالتها فجأة وذهبت إلى منزلها منذ ساعة فتوجهت إلى منزلهم واشتريت بعض الورود التي تحبها روميساء وجلست في بيتهم وكان اليوم جميل ومرحب بي في كل مكان، وحددنا يوم الخطوبة بل أصر والدها أن يكون زفاف وليس خطوبة وفَقال خير البر عاجله..

وبعد ثلاث أسابيع أصرت الأسرة أن تذهب روميساء ووالدتها ووالدها لشراء الأثاث من مدينة دمياط..ولم يكن عندهم النية أن يأخذوني معهم من باب إبداء رأي في قطع وذوق الأثاث الذي سيكون في بيتي، ولما سألتهم عن عدم ذهابي معهم تحججوا بأن هذا من تقاليد عائلتهم، وسألوني هل تشك لحظة في ذوق روميساء في اختيار الأفضل؟ أومأت برأسي بلا..وقلت وأنا أنظر إلى عينا روميساء وأنا أنزع عن معصمي التميمة وأعطيها لها وطلبت منها أن ترتديها فهي جالبة للحظ وستحفظهم طوال طريق السفر.. وودعتهم على أمل بلقاء قريب بعد عودتهم..

وفي صباح اليوم الثاني صحوت من نومي على صوت هاتفي المحمول وكان المتصل والد روميساء..وعندما سألته عن أخبارهم قال لي أن روميساء في حجرة العمليات الأن بعد أن انفجر إطار السيارة على طريق السفر ونجا هو ووالدة روميساء بأعجوبة من الحادث..في نفس الوقت بلغني بقرار إنهاء الخطوبة ونسيان هذا الموضوع

انتهت القصة