قصة بعنوان صحوة امرأة قصص من العبر الواقعية

قصة رائعة. فيها الكثير من العبر الواقعية قصة بعنوان صحوة امرأة.

كانت طفلة لا تعي شيئاً سوى المرح واللعب ، خاصة بيوم الإجازة الإسبوعية في الزيارات العائلية المتبادلة لمنزل عمها،

فتقضي يومها كالنحلة النشيطة مع ابن عمها الذي يكبرها بضع سنين لتصل لنهاية اليوم منهارة القوى تتلهَّفُ لعناق

الوسادة ؛ ومضت طفولتها لتكبر فجأة وتخفق ضربات قلبها نحوه فقد رأته رجلاً بغمضة عين فباعدت المراهقة بينهما ليكتفيا بالجلوس والحديث كالكبار .

وذات مرة داعبتهما والدتها قائلة :

– ابنتي حليب ونادر شوكولا

فردت أم نادر وهي تحاول كتم غيظها :

-وإن يكن فالرجولة كلها لذوي البشرة السمراء.

حرك ذاك الموقف فؤاد نادر نحو مها ، فلا ينقص الرجل صاحب الهمة سوى امرأةً جميلةً تُكمِلُ رجولته أمام الناس وما أجمل أن تجتمع الأنوثة مع القرابة!.

فوضع هدف الزواج منها أمام عينيه، وحتى عندما قُضِمَ ظهره بوفاة والده لم تثنيه تحمل مسؤولية أخيه الصغير إلى جانب أمه عن سعيه الزواج منها ،فأصبح يصل نهاره بليله في العمل ليعود آخر الليل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يغط في نوم عميق.

وعندما رأت أمه معاناة ابنها ، قررت العمل كمدبرة منزل وطاهية في بيوت الأغنياء ، واستمرنادر في العمل بورشة تصليح السيارات التي ترعرع فيها وبعد مضي ثلاث سنين استعد لطلب يدها . وحيث أن أبيها كان في بلاد المغترب لا يلقى ابنتيه وزوجته إلا عندما تتفتح الزهور كل عام ،طلب يدها من خالها وأمها ، فحلق قلبها بأرجاء صدرها وأقام احتفالاً

مع أحشائها، وبعد أن وافقت على طلب نادر وأمه أن تترك الدراسة ، حددوا موعداً لحفل الخطوبة ولضيق حاله المادي اكتفوا بخاتم صغير ، فكان بعينيها يعادل ما يحتويه محل الصاغة فهو من حبيبها كامل الرجولة ذو البنية العضلية.

وبعد تمام الخطوبة بشهرين تم تحديد يوم الزفاف ؛ فارتدت مها ثوب أحلامها وبوجه الطفولة الأبيض كنقاء الغيوم صباح يوم ربيعي ضاحك ، مع عينين ترقصان فرحاً بلون سماء زرقاء، خطفت قلوب المدعوين مع أنظارهم وكانوا يستهجنون تلك الزيجة اللامنصفة بحق الملاك البريء، فقد كانوا يعلمون أنها وقعت ضحية بين مخالب أم زوجها لأنها كانت تشتهر بالمكر ،غير أن عشق نادر لها جعله ورقة بين يديها تشكّله كيفما تشاء.

بعد أن تحقق حلمه بوضع الدمية البيضاء في منزله أزاح جبل التفكير عن كاهله لتستبيح أمه استعبادها بذوق رفيع .

لم يمض أسبوعين على زواجها وبدأت أم نادر بإشعال لهيب المشاكل بينهما ، كثعلبة قديرة تحاول تأجيج الخلافات ببضع

كلمات، بدون أن تُشعِر ابنها أنها تَحُضُّه على الخلاف مع زوجته ؛ كأن تعود إلى المنزل منهكةً آخر المساء وتغرق في المطبخ محاولة أن تنظف جدرانه وكأنها تريد أن تَخلُقَ لوناً جديداً له، مما يجعل نادر يشتعل غضباً من مها وينفجر بوجهها قائلاً:

-لو أنَّ أمكِ علمتكِ النظافة لما أُنهِكَتْ أمي من التنظيف داخل المنزل وخارجه .

لكن مها كانت تصمت والألم يعتصر حنجرتها من البكاء الصامت، ورويداً رويداً تملَّك الحزن قلبها ولم تعلم كيف ستتعامل معهما، ليزيد أخا زوجها نهر دموعها ويطلب منها الطعام والشراب وغسيل ثيابه وكأنها جاريته، وبعد أن فاض بئرأحزانها لم تستطع كتمان ما أرهق قلبها فقررت اللجوء

لأمها لعلها ترشدها لما تفعل ، ولأنَّ أم نادر كانت قد قلَّصت الزيارات الإسبوعية لتجعلها شهرية بحجة عملها ، ولرفضها القاطع أن يزور أحد منزلها بغيابها ، لم تجد مها أي فرصة للحديث مع أمها ، فلم تجد منقذاً لها سوى أختها الصغيرة، فبرغم أنها كانت تصغرها ببضع سنين لكن عقلها كان موازياً للبالغين؛ فقامت بتشجيع مها على خلق شخصية لها أمامهم ولم تخبر أمها عما قالَتْهُ كي لا تصيب فؤادها بالحزن على حال ابنتها .

لم يعد يفارق لسان مها قولها الدائم لأم زوجها :

– فلتتركي العمل يا أماه كي تعلميني الأعمال المنزلية فمن الواضح أنك أمهر من أمي .

لتكتفي حماتها بالصمت بعد أن تقول لها:

-ألن تكفي عن ذلك؟! فأنا لن أترك العمل لأن وضعنا المادي سيتدهور، غير إن أتى ولد لابني فستزيد الأعباء عليه.

مما جعل أم نادر تشعر أن مها ترغب أن توسوس لابنها كي يفتعل المشاكل معها ويجبرها على ترك العمل، فازداد

هوسها بافتعال المشاكل بينهما كي لا تجعل متنفّساً لمها مع ابنها ؛ وبعد أشهر من جلسات قمر لغسيل دماغ أختها استطاعت أن تبدّل حالها كلياً فأعادت الروح للسانها الذي لم يعد يصمت عن أي شي تتصرف به حماتها ،مما جعل الدم

يغلي في عروق وجه نادر وخشية أن يكسر ضلعاً من ضلوعها بلا وعي؛ كان يرميها بمنزل أمها كخرقة بالية وهو يقول لها تلك نتيجة تربية المرأة ،لتعيدها أمها بعد بضعة أيام بكل ود ومحبة معتذرة عن ابنتها ،كي لا تهدِمَ منزلها و تحافظ على القرابة بآن واحد ؛ ولم يمضِ بضعة أشهر حتى حملت مها بأول مولود لها ، فقفز قلب نادر وحملها بين يديه حفاظاً على مشاعرها وكاد أن يقوم بأعمال المنزل كي يمنع أمه من إجهاد نفسها .

حاولت أمه كتم غيظها من تبدّل حال ابنها فكانت تطرق مسامع مها كل شهر قائلة:

-أنا أريد ذكرٱ يحمل اسم ابني وأتمنى ألا تكوني كأمك تجلبين الإناث .

يتبع

قصة صحوة امرأة الجزء الثاني

لم تستطع الطبيبة أن تعرف جنس المولود فلم يكن منهم سوى انتظار يوم الولادة الذي كان أسوأ يوم بحياة مها، فلم تكف أم نادر عن الصراخ قائلة :

-لقد ولدتي أنثى وسوداء ؟! كان يجب أن أعلم أنك كأمك تجلبين المصائب.

لكن عندما وصلت أمها أزاحت شبح الحزن وأضافت الضحكة بصحبة قمر التي لم يقف لسانها لحظة وهي تقول لنادر مازحة:

-وكأنها نسخة منك ؟! أعطست فأنجبت أختي نادر الصغير!

فأشعلَتْ نار الغيظ بقلب أمه عندما سمعتها فردت عليها محتدة:

-لكن ابني جميل فهو ذكر .

مع محاولات قمر بالشرح لها أن الانثى بوقتنا الحالي كالذكر، كانتا أذنيها ترتديان وشاح الصمم ، وبعد مرور الوقت عندما رأى نادر أن أمه دائمةَ العبوس ، أصبح يشعر بالضيق من مها وتدريجياً أصبح يساند أمه بافتعال المشاكل معها. احترقت سنة من حياة مها وهي تفتح عينيها على مشكلة وتغلقهما على أخرى ، لحين بان حملها بذكر فارتسمت البسمة على وجه

أم نادر وباتت تخاف عليها من الهواء أن يزعجها . وعندما أتى يوم الولادة، أقامت احتفالاً دعت إليه الأقارب وأظهرت كرماً لم يعهدها أحد عليه قط، فقد قدمت الطعام والشراب والفاكهة والحلويات وكأنها هي التي رزقت بالمولود.

عاشت مها سنتين وكأنها ملكة يرعاها زوجها وأمه نفسياً وجسدياً ،لحين أصيب ابنها بالسرطان فمنذ ذلك اليوم المشؤوم بدأت أم نادر تصب حمم غضبها على مها وتتهمها أنها السبب بذلك حيث أنها لم تكف عن تناول الطعام الجاهز والمعلبات والمشروبات الغازية بأشهر حملها به؛ فرأت أن الطعام كان سبباً بالسرطان لابن ابنها ووسوست بذلك لابنها. بعد أن انهارت آماله التي علقها على وحيده وبتحريض من أمه بات صباح مها ومساءها صراخ منه على أتفه الأمور ولا

يتوقف عن أن ينهرها ببضع كلمات وينفض الغبار عن جسدها ببضع ضربات ولكمات؛ لحين انفجرت وباتت تفتح الباب وتذهب غاضبة لمنزل أمها دون أن تعلمه ، فتضطر أمها في كل مرة أن تعيدها لزوجها خانعة الرأس ، لحين جاءها اليوم الذي طالما خشيته ، فقد ازدادت حالة ابنها سوءاً ونقلوه إلى المشفى ففارق الحياة بعد يومين . عاشت أسابيع لم تحصها حبيسة الاكتئاب يحاول عقلها استيعاب أن قطعة من قلبها دفنت تحت التراب ، وبكل يوم يمضي كانت تقول لها حماتها بضيق:

– استعيشي اليوم أيضاً بقناعك الحزين؟ لقد ارتاح من عذابه وارتحنا .

بدأ نادر وأمه يحضانها على الحمل مرة أخرى متجاهلين ابنتهم التي زينت المنزل بذكائها وضحكتها فأصبح جل اهتمامهم ذكر آخر،فلم تعارضهم خشية أن ينقلبا عليها كالسابق ؛ لكن عندما أنجبت فتاة تلو الأخرى بصحة تامة تمنت أم ماهر لو تصاب إحداهما بسرطان كي تفسح مجالاً لذكر آخر فلم يعد يسمح الوضع المادي لهم بولد آخر .مضت السنوات وكبرت الفتاتان ليتزينان بالجمال كطفولة أمهما.

بعد كل مشكلة كانت تذهب غاضبة لمنزل أمها وتترك ابنتها الكبرى عائشة في المنزل كي تعتني بأخواتها .

و بكل مرة تعود إلى المنزل كانت تُفرّغ غضبها وضيقها من زوجها وأمه بابنتها الكبرى التي كانت تكلمها باشمئزاز كجدتها ، مما جعل أم نادر تتعاطف معها وتحبها بسبب معاملة مها لها. مضت السنوات ولم تحتمل مها تلك الحياة المليئة

بالخلافات والمشاكل ،فرغبت بالتنفس للعمل بمحل لتجميل السيدات ومع رفض زوجها القاطع ، ذهبت لمنزل أمها أياماً دون أن تعود من تلقاء نفسها بعد يومين كما اعتادوا عليها ؛ مما جعل أم نادر تقرر أن تذهب بجلالتها كي تعيدها خشية أن يجبر نادر ابنته عائشة على ترك الدراسة للاعتناء بأخواتها ،فقد حلمت أن يجعلها تفوقها طبيبة في المستقبل لتتباهى بها فهي على اسمها الذي أعطاها الذكاء .

دخلت أم نادر بقناع الطيبة ومحاولة ترميم الذي انهدم بين ابنها وزوجته ، فاستقبلتها مها والبركان يشتعل بداخلها فاستغلت انكسارها الذي لم يعتد أحد عليه وطلبت منها منزلاً مستقلاً عنها وعن ابنها لتتربع ملكة وحيدة في منزلها مع بناتها فلم يكن من الثعلبة القديرة سوى قبول طلبها فقد كانت تفكر أن عليها تزويج ابنها الصغير فأصابت بذلك عصفورين بحجر واحد .

….يتبع

قصة صحوة امرأة الجزء الأخير

ولأنها لن تسمح لابنها الكبير بالابتعاد عنها كثيراً ، فباعت المنزل الكبير، واشترت اثنين لتجعل ابنيها جارين متلاصقين وسكنت مع الأصغر لتستطيع التحكم بزوجته أيضاً، لكنها لاقت الصدَّ منها ولم تستطع فتح فاهها كيلا تتسبب لابنها بمشاكل مع زوجته ، لأنه كان لا يحتمل الخلافات إطلاقاً فعند كل مشكلة كانت تحصل بينها وبين مها كان يحمل أغراضه ويترك المنزل أياماً دون أن يخبرهم بمكانه فيشتعل قلبها قلقاً عليه لتعلقها به، فخشيت أن يغضب منها ويتركها مع زوجته ويرحل بلا عودة .

عادت لتفريغ غضبها من زوجة ابنها الأصغر بمها وأعادت فرض شخصيتها السابقة عليها فعادت المشاكل تزداد لهيباً، فازدادت علاقتها بنادر سوءاً وأصبحت تقضي أيامها بمنزل أمها أكثر مما دفعها لمعاودة العمل وتقديم أوراقها للدراسة فتركت أم نادر العمل وجلست ترعى بنات ابنها ، فهددها نادر بتطليقها وحرمانها من بناتها إن لم تعد ولأن ذلك ليس تهديده الأول فلم تكترث له، ومع وسوسة أمه صباحا ومساء :

-إنَّ صحتي لم تعد تسمح لي الاعتناء بأطفال ، تزوج من ترعى بناتك وارفق بشيخوختي . بين ليلة وضحاها قرر حرق فؤادها وأصر على عدم مراضاتها ،فتزوج عليها وأحضر زوجته للمنزل بصفتها أم جديدة لهم كي تعود مها إليه من تلقاء نفسها خانعة الرأس كالمعتاد .

تلقَّت الخبر كالفاجعة ، مما جعلها لا تطلب الطلاق أو تحرك ساكناً بل ضاعفت جهدها بالدراسة والعمل ونجحت بشهادة التعليم الإعدادية، لكن روحها انهارت فقد حرمها من رؤية بناتها أشهراً ،فجمعت فتات قلبها وأشلاء روحها وعادت إليه راضخة لأوامره .لم يمض يوم واحد بسلام فقد احترق المنزل من لهيب المشاكل والخلافات المتصاعدة لتأجج أم نادر النار بوقوفها بجانب زوجة نادر الثانية ضد مها دائماً لتظهر لأبنها أنها لاتطاق، وعندما انهارت قوى مها ؛ نظرت إليه بعينين مغرورقتين بالدموع :

-أرجوك ، أعطني بناتي وأعطني حريتي .

نظر لها بابتسامة صفراء :

-تريدين الطلاق كي تنحرفي بين عملك ودراستك وتعلمي بناتي الانحراف؟!

فصمت لبرهة ثم قال:

-لك ما شئت لكن بدون البنات ولن تريهم البتة طوال حياتك. فتخلت عنهن ، فقد كان بنيتها أن تُدخَلَ أفراداً من عائلتهما وسطاء لإقناعه أن يعطيها بناتها .

لكنه استشرس ورفض بشتى الوسائل ، وقطع حبل القرابة كلياً بمن دخل وسيطا لصالحها ،وبدأ مع أمه بالوسوسة لبناته أن أمهنَّ قد تخلت عنهنَّ لتعيش حياتها سعيدة بدونهنَّ ومع نجاحها بالثانوية العامة ودخولها الجامعة ازداد غيظه منها وتمسكه بحرمانها منهن وأصبح يضيق الخناق على زوجته الثانية أكثر، فلم تستطع الصمت كمها فانفجرت بوجهه بكل مرة يوبخها ليضربها مرة تلو الأخرى، فطلقت نفسها منه . عادت أمه للاعتناء ببناته لكن وبعد بضع أيام تعرَّضت لأزمة

قلبية فنقلوها إلى المشفى بحالة إسعافية؛ مما جعل عقله يتوقف عن التفكير فأخذَ بناته لأمهنًَ لحين تحسن وضع أمه . حلق قلب مها بأرجاء صدرها ولأول مرة شعرت أن الدنيا تضحك لها، فانشحنت روحها بالسعادة وبدأت بسيل من المحاولات أن تعيد حبال الود بينها وبين بناتها ، فأوقفت دراستها وجعلتهن يرافقنها كظلها أينما ذهبت، لكن ما زُرِعَ بداخل رؤوسهن جعل فؤادهن يعرض عن تقبل محاولاتها لدرجة أنهن لم يقدرن على مناداتها بأمي،فاستعانت بأختها التي أصبحت يومياً تعود من عملها لتطفئ طاقتها آخر اليوم وهي تلعب معهن وتخلق جوا من المرح فاستطاعت

سحب روح البغضاء التي شُحِنَّ بها ليمتَزِجنَ مع أمهن تدريجياً ، مما جعل طيبة قلبها تحثها على الذهاب لزيارة جدة بناتها ، فقد ازدادت حالتها سوءاً بعد عملية القلب المفتوح التي أجروها لها، وأخذت بناتها معها وما إن رأتها أم نادر حتى تساقطت دمعة من عينها التي لم تعرف البكاء قط ، وعاش ضميرها لأول مرة ليؤنبها على ما اقترفت بحقها؛ فلم تصدق أنه برغم الحجارة اللفظية التي رشقت قلبها بها طوال تلك السنين أتت للاطمئنان عليها ،فحضنت يدها وقالت بعينين مغرورقتين بالدموع :

-سامحيني يا ابنتي .

وقبل أن تنطق بكلمة واحدة ردت مها قائلة :

-لا عليك يا أمي ، لا تتعبي نفسك بالكلام فقد سامحتك من كل قلبي .

قبلت أم نادر يدها وتنفست الصعداء ، وبعد أن ذهبت، أتى نادر للاطمئنان على أمه فأخبرته أن مها قد أتت لرؤيتها مع البنات وانهارت دموعها وهي ترجوه أن يعيدها زوجة له

كي تكفر عن سيئاتها معها بعد أن تخرج للمنزل وتستعيد صحتها ؛ فرحب نادر بقولها وبعد يومين حاول فيهما دفن نادر القديم وهو يعيد التفكير بسنوات حياته التي ظلم فيها ابنة عمه بلا تفكير؛ مما جعل فؤاده ينبض ولأول مرة حباً لرفيقة دربه التي تحملت قسوته بدون أن تغلط بحقه مرة ، لكن وفي صباح اليوم الثالث، وقبل أن يتحدث معها فارقت أمه

الحياة فتمزق قلبه أشلاء وصرخت روحه من الألم فلم يحتمل فراقها ولا الشوق الذي عاناه بغيابها فشعر بالألم الذي سببه لمها عندما حرمها من بناتها، فزحف إليها بعد الدفن يرجو عفوها لتعود إليه ، نظرت إليه بعينين دامعتين وصمتت لحظات بعد أن طاحت بنظرها أرضاً فقد شعرت أن اعتذاره نابع من فراغه بعد وفاة أمه، ولكي يضمن أن تعتني ببناته تحت جناحه ،فاعتصر الخوف قلبه أن ترد بالرفض؛ وحيث أن بناتها كُنَّ يسترقْنَ السمع خلف الباب أيقنوا أن اعتذار أبيهم دليل على خطأه مع أمهم فهرولْنَ إليها بصوت واحد :

– أمي أمي وافقي وافقي .

كانت كلمة أمي كفيلة بإنعاش قلبها من جديد ، فاحتضنتْهُنَّ والدموع تملأ عينيها ونظرت له بابتسامة حزينة ثم قالت : -أعطني مهلة للتفكير.

وبعد تفكيرطويل، أيقنت أنها لم تعد تحبه كالسابق؛ فاتصلت به ودعته ليسمع قرارها ، ثم اشترطت عليه أن يدعها تكمل دراستها الجامعية وأن تعمل بعد ذلك بشهادتها فلم يتردد بقبول طلبها برهة ، فعادت إليه لتبدأ حياة جديدة مع بناتها بجو من الألفة والود الأسري الذي طالما افتقدته . وبعد أن خلق منها مها أخرى زرعت برأس بناتها أن العلم وشهادة الفتاة أهم من أي شيء في الحياة ولن يبقى لهن غيره فحتى الحب الذي يسمعن عنه يمكن أن يذهب هباءاً منثوراً ، فشجعتهُنَّ على مضاعفة جهودهن بتحصيلهن الدراسي إلى أن رأتهن في أعلى المراتب العلمية.

انتهت القصة.